نحن مجموعةٌ من المسلمين نقيم في إحدى بلاد المهجر، وتحديدًا في مدينة «مالمو» السويدية، ننتمي إلى مسجدٍ يعود تاريخ بنائه إلى ما يزيد عن عشرة أعوامٍ، ومنذ ما يقربُ من العامين انشقَّ عن المسجد مجموعةٌ من الإخوة واستأجروا مبنًى كبيرًا إلى حدٍّ ما مساحته حوالي (500) متر مربع، بمبلغ 35 ألف كرون في الشهر، أي ما يعادل (6000) دولار أمريكيٍّ، على أمل أن يُحوِّلوها مستقبلًا إلى مسجد ملحقٍ بمدرسة إسلاميَّة متى توفَّر لهم مبلغُ الشِّراء وهو حوالي (15) مليون كرون، أي ما يعادل مليوني دولار أمريكيٍّ، وهو المبلغ الذي لا يملكون منه المليون كرون إلى الآن، مما يعني أنه من الممكن أن يبقوا يدفعون إيجار المبنى إلى أعوام قادمة لا يعلم مُدَّتَها إلا الله .
والآن يعزم الإخوة الذين يتولَّون مسئولية المسجد الجديد المستأجر على استقدام إمامٍ للمسجد براتب (15) ألف كرون، أي (2000) دولار أمريكي، مشمولًا بالسكن للإمام.
علمًا بأن المسجد لا يكون مهجورًا في أوقات الظهر والعصر والمغرب، وفي العشاء ربما نجدُ إمامًا ومأمومًا واحدًا أغلب الأحيان، على حين في الفجر يترواح عدد المصلين بين الخمسة والعشرة على أبعد تقدير، على حين في صلاة الجمعة يصل عدد المصلِّين إلى 150 مصليًا. والآن المسجد الجديد يوجد بالقرب منه مسجد على بعد 5 كيلو مترات، ومسجد آخر على بعد 12 كيلومتر، وفي كلا المسجدين المجاورين تُقام شعائر صلاة الجمعة.
السؤال الذي أنا بصدده يتشعب إلى فرعين:
الفرع الأول: هل يجوز استئجار مسجدٍ بهذه المبالغ الطائلة علمًا بأن المنطقة لا تحتاج إلى المسجد مع وجود مسجدين من حوله؟
والفرع الثاني: هل استقدامُ إمامٍ للمسجد الجديد يقع ضمن الحدود الشرعية، علمًا بأنَّ ميزانية المسجد الحالية لا تسمح لتغطية تكاليف الإمام إلا من خلال تبرُّعات المصلين في يوم الجمعة؟ وجزاكم الله عنَّا كلَّ خيرٍ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإننا ننصح أحبابَنا في مدينة «مالمو» السويدية بأن يأتمروا بينهم بمعروف، ونقول لهم: اتَّقوا الله وأصلحوا ذاتَ بينِكم، إن المشكلةَ الأخطر في فساد ذات البين، في تنازعكم وما يترتَّب عليه من ذَهاب ريحكم وأنتم تعيشون في بلاد الغربة وبين أظهر غير المسلمين(1).
وليست القضية أن تُستقدم فتوى من بُعْدٍ ليستنصر بها طرفٌ على آخر في خصومة، بل الفتوى والعزيمة أن تواجهوا مجتمعين هذه الفتنة، وأن تقضوا على دابرها، وأن تتغافروا، وأن تتراحموا، وأن يُقِرَّ كلٌّ منكم الآخر على عبوديَّته لله في نهاية المطاف إن عجزتم عن استعادة التعاضد والتلاحم مرة أخرى.
أما النازلة المُستفتَى عنها فقد علمتم جميعًا أنها من مسائل السياسة الشرعية التي تدور في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد، فحيثما رَبَتِ المصلحةُ على المفسدة أجيزت، وحيثما ربت المفسدة على المصلحة مُنِعَت.
وجلُّ مسائل هذا الباب ليست فيها قواطع حاسمة ولا مفترق طرق بيِّن واضح، فإن سوادَها الأعظم- كما لا يخفى عليكم- مسائل اجتهاديَّة، فالذي ننصح به مرة أخرى ونقوله لإخواننا وأحبابنا عن بُعْدٍ: اتَّقوا اللهَ وأصلحوا ذاتَ بينِكم، أرغموا أنف الشيطان باجتماع كلمتكم، طَيِّبوا خاطر نبيِّكم وأقرُّوا عينه بائتلافكم وتغافركم.
وفَّقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].