ظللت لمدة عامين متواليين أُشرف على مسجدٍ داخل مجمع تسوُّقي، كان فاعل خيرٍ يمتلك هذا المجمع واقتطع منه محلًّا جعلناه مسجدًا يُؤدِّي فيه أصحابُ المحلَّات المحيطة به صلواتِهم خلال تواجدهم في أعمالهم. وقد طالبني صاحب المجمع الآن بمفاتيح المسجد رغبةً منه في تأجيره كباقي محلَّات المجمع، برَّر فعله هذا قلةُ عدد المصلِّين، وعندما نصحته بألا يفعل وأن يُبقِيَه وقْفًا لله تعالى ينال أجرَه ولو بمصلٍّ واحدٍ، فالأمر يعتمد على النيَّة وليس على عدد المصلين، إلا أنه أصرَّ على طلبه، الأمر الذي جعلني أتبرَّع بموجودات المسجد لمسجدٍ آخر. الآن: أنا أسكن تقريبًا في منتصف المسافة الفاصلة بين مسجد (ع) والذي اعتدت الصلاة فيه لسنواتٍ طويلة وتقام فيه الصَّلوات الخمس، وبين المسجد (س) الذي تحدَّثت لك عنه في الفتوى، والذي استأجره ثلاثة من الإخوة المنشقِّين عن المسجد (ع)، وهذا المسجد لا تُقام فيه الصَّلوات الخمس، بل يُصلُّون فيه فقط هي صلاة الفجر وصلاة الجمعة، وأحيانًا صلاة المغرب والعشاء، أقصد في عطلة نهاية الأسبوع الجمعة والسبت. والسؤال الذي أنا بصدده الآن: أيُّهما أَوْجبُ: الصلاة في مسجد (ع) أم مسجد (س)؟ وبعبارة أخرى: في أيِّ مسجدٍ تنصحني أن أصلي، في مسجد (ع) أم مسجد (س)؟ وجزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلا شكَّ أن المسجدَ الذي تُقام فيه الصَّلوات الخمس ويرتاده العدد الأكبر من المصلِّين أولى بالصلاة من مسجدٍ آخر قلَّ عدد روَّاده ولا تُقام فيه الصَّلوات الخمس؛ لأنه كلما عظمت الجماعة كلما عظم الأجر، هذا هو الذي تقتضيه القواعد العامة، إلا إذا عورض ذلك باعتباراتٍ أخرى تجعله مرجوحًا. ونأمل أن تدقق عباراتك خاصة في مواقف الخلاف والفتن، فقد استوقفتني عبارة «الإخوة المنشقين»، فربما كان غير هذه العبارة أولى وأجمع للكلمة، وقد قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: 53]. ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.