تملك أمي مجموعةً من الحُلي تبلغ النصاب تتزين بها في الأعراس هل يجب عليها زكاة؟ وكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
زكاة الحلي:
– بالنسبة لحليِّ الذهب والفضة بالنسبة للنساء فقد وقع فيها خلاف بين أهل العلم، لأنها باعتبار مادتها فيها شبه بالنقود، وباعتبار ما دخل عليها من صياغة وصناعة أصبحت أشبه بما يُتخذ من العروض للانتفاع والاستعمال الشخصي، من أجل هذا وقع الاختلاف بين أهل العلم في قضية حلي النساء:
– فمنهم مَن أوجب الزكاة في حُلي النساء مطلقًا، وهو مذهب الأحناف(1)، وهو مروي عن سعيد بن المسيَّب.
– وذهب الجمهور(2) إلى القول بعدم وجوب الزكاة في الحُلي ما دام قد أُعدَّ للحِليةِ ولم يخرج عن ذلك إلى القنية والادخار، ومن أدلتهم على ذلك ما يلي:
– أن الأصل هو براءة الذمم من التكاليف، وليس في الباب حديث صحيح صريح ينقل عن هذا الأصل.
– أن الزكاة تجب في المال النامي أو المعد للنماء، والحُلي قد خرج باستعماله والانتفاع به انتفاعًا مشروعًا أن يكون واحدًا منهما.
– ما صح عن كثير من الصحابة من القول بعدم وجوب الزكاة في حُلي النساء، فقد روي عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها في حجِّها يلبسن الحُلي فلا تخرج عنهن الزكاة(3)، وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه بالذهب ثم لا يخرج عن حُليهن الزكاة(4)، وقد كانت أختُه حفصةُ أمَّ المؤمنين ومثلها لا يخفى عليه الحكم في ذلك، ورُوي عدم وجوب الزكاة فيه عن جابر بن عبد الله، وعن أسماء بنت أبي بكر وغيرهم، الأمر الذي يدل على انتشار هذا بين الصحابة حتى قالت عمرة- وهي إحدى يتيمات عائشة وقد سئلت عن زكاة الحلي: ما رأيت أحدًا يزكيه(5).
– والذي يظهر لي بعد هذا العرض لأدلة الفريقين أن القولَ بعدم وجوب الزكاة في الحُلي هو القول الأظهر، لأن الزكاةَ تجب في المال النامي أو القابل للنماء، حتى يبقى الأصل وتخرج الزكاة من الفضل، وحُلي النساء ليس من هذا القبيل، ولهذا أُعْفِيت الدور التي تُسكن والدواب التي تُركب من وجوب الزكاة، كما أُعْفِيت الدواب العوامل من الزكاة لصرفها عن جهة النماء إلى جهة الانتفاع.
وبالنسبة لما اتُخِذ من الحُلي للقُنية والادخار:
لا تختلف الكلمة في أن ما اتُخِذ من الحُلي للقُنية ونوائب الزمان وخرج عن الاستعمال المعتاد فإنه تجب فيه الزكاة.
– قال سعيد بن المسيَّب: الحُلي إذا لبس وانتفع به فلا زكاة فيه، وإذا لم يلبس ولم ينتفع به ففيه الزكاة.
– وقال مالك: مَن كان عنده تِبرٌ وحُلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام(6).
– وقال النووي: قال أصحابنا: لو اتخذ حليًّا ولم يقصد به استعمالًا محرمًا ولا مكروهًا ولا مباحًا بل قصد كنزه واقتناءَه فالمذهب الصحيح وجوب الزكاة فيه وبه قطع الجمهور(7).
– وأخيرًا فإن ما تجب فيه الزكاة من الحُلي يُزكى زكاةَ النقدين- ربع العشر- شأنها شأن الذهب والفضة وسائر النقود عمومًا.
والخلاصة أن زكاة الحلي موضع نظر بين أهل العلم، والاحتياط إخراجها إذا بلغ الحلي نصابًا، وهو خمسة وثمانون جرامًا من الذهب الخالص، وحال عليه الحول؛ لعموم النصوص الآمرة بإخراج زكاة الأموال من ناحية؛ ولخصوص النصوص الواردة في باب الحلي بصفة خاصة، كما ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟». فقالت: لا. فقال صلى الله عليه وسلم : «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟». فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله(8).
ولما ثبت من حديث أم سلمة ل أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فقالت: يا رسول الله، أكنزٌ هو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «مَا بَلَغَ أَنْ يُزَكَّى فَزَكِّي، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»(9). والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/277): «قال رحمه الله (ولو تبرا أو حليا أو آنية) أي ولو كانت الفضة أو الذهب حليا أو غيره تجب فيها الزكاة».
وجاء في «فتح القدير» من كتب الحنفية (2/214-217): «قال (وفي تبر الذهب والفضة وحليهما وأوانيهما الزكاة).
(2) جاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (2/299-300): «ص (وحلي): ش: يعني لا زكاة في الحلي إذا سلم مما سيأتي ذكره سواء كان لرجل أو امرأة، واعلم أن الزكاة تسقط عن حلي الرجل في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا اتخذه لزوجته أو أمته أو ابنته أو خدمه أو ما أشبه ذلك إذا كانت موجودة واتخذه لتلبسه الآن».
جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (5/509-529): «وإن كان لاستعمال مباح كحلي النساء وما أعد لهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان (أحدهما) لا تجب فيه الزكاة لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الحلي زكاة».
وجاء في «الفروع» من كتب الحنابلة (2/462-463): « لا زكاة في حلي مباح قال جماعة معتاد ولم يذكره آخرون لرجل أو امرأة إن أعد للبس مباح أو إعارة».
(3) أخرجه مالك في «موطئه» (1/250) حديث (586).
(4) أخرجه مالك في «موطئه» (1/250) حديث (587).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/383) حديث (10180).
(6) جاء في «المنتقى» من كتب المالكية (2/107-108): «قال مالك من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة ولا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام».
(7) «المجموع»: (6 / 36).
(8) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/178) حديث (6667)، وأبو داود في كتاب «الزكاة» باب «الكنز ما هو وزكاة الحلي» حديث (1563)، والترمذي في كتاب «الزكاة» باب «ما جاء في زكاة الحلي» حديث (637)، والنسائي في كتاب «الزكاة» باب «زكاة الحلي» حديث (2479). وذكره الزيلعي في «نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية» (2/369) وقال: «قال ابن القطان في كتابه: إسناده صحيح. وقال المنذري في مختصره: إسناده لا مقال فيه. وهذا إسناد تقوم به الحجة إن شاء الله تعالى»، وابن الملقن في «البدر المنير» (5/565- 566) وقال: «حديث صحيح».
(9) أخرجه أبو داود في كتاب «الزكاة» باب «الكنز ما هو وزكاة الحلي» حديث (1564)، والحاكم في «مستدركه» (1/547) حديث (1438)، والدارقطني في «سننه» (2/105). وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (559).