هل يمكن دفع الزكاة عن طريق خدمة مناسبة لمبلغ الزكاة؟ أو يجب دفعها دائمًا نقدًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصلَ في زكاة المال أن تُخرجها مالًا، ولا تعدل عن ذلك إلا لمصلحةٍ ظاهرة للفقير، فقد اختلف أهلُ العلم في جواز التحوُّل عن الواجب إلى البدل في الزكاة على أقوال، أظهرها الجواز، بشرط أن تكون القيمة أحظى للفقير من العين الواجبة في الزكاة، بل قد يكون دفعُ القيمة في هذه الحالة أولى من العين.
ومما يؤيِّد هذا الاجتهاد قولُ معاذٍ لأهل اليمن: ائتونى بعرَضٍ: ثياب، خميص أو لبيس(1)، في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة(2).
وأَثَرُ معاذٍ هذا ذكره البخاريُّ تعليقًا محتجًّا به على إعطاء الزكاة قيمةً، وذِكْره له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوتُه عنده، ومَن دفَع الاستشهاد بهذا الأثر بأنه مجرَّد اجتهادٍ من معاذ لا تقوم به حجة يُردُّ عليه من وجهين:
الأول: أن الغالب على الظَّن أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان مطلعًا على ذلك ومقرًّا لمعاذ عليه؛ لأن الثياب كانت تُرسل إليه في المدينة، وعلى افتراض عدم اطلاعه على الأمر وهو الوجه الثاني فقد شهد صلى الله عليه وسلم لمعاذ بأنه أعلمُ أصحابه بالحلال والحرام(3). والله أعلم.
__________________
(1) خميص يعني: طوله خمسة أذرع، ولبيس: أي ملبوس. انظر «فتح الباري» (3/312).
(2) أخرجه البخاري معلقًا في كتاب «الزكاة» عقب باب «العرض في الزكاة».
(3) فقد أخرج الترمذي في كتاب «المناقب» باب «مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب» حديث (3790) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ الله عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْـحَلَالِ وَالْـحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْـجَرَّاحِ» وقال: «هذا حديث حسن غريب»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (1224).