تعجيل الزكاة قبل ميقاتها

هل يمكن دفع جزء من زكاة المال قبل حلول الحول الجديد؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا حرج على مَن ملك نصابَ الزكاة في تعجيل الزكاة قبل ميقاتها عند الحاجة إلى ذلك عند جمهور أهل العلم(1)، خلافًا للمالكية(2)؛ وذلك لما رواه الخمسة إلا النَّسائي عن علي رضي الله عنه: أن العباس سأل النبيَّ ﷺ في تعجيل زكاته قبل أن تَحُل فرخص له في ذلك. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي(3). وما رواه علي رضي الله عنه: أن النبيَّ ﷺ قال لعمر: «إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ عَامَ الْأَوَّلِ لِلْعَامِ». رواه الترمذي(4).
أما من لم يملك النصاب بعدُ فلا نعرف خلافًا في عدم جواز تعجيلها؛ لعدم انعقاد سبب وجوبها.
قال ابن قدامة: «فصل: ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل مِلك النصاب بغير خلاف علمناه»(5).
والعلة في ذلك أنه تعجيلٌ للحكم قبل سببه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد وجود سبب الوجوب عند جمهور العلماء، منهم الأئمة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة- إذا ملك النصاب»(6).
وسبب الخلاف في ذلك كما ذكر ابن رشد: «أن الزكاة: هل هي عبادة، أو حق للمساكين؟ فمن قال: إنها عبادة وشبهها بالصلاة لم يُجِزْ إخراجها قبل الوقت. ومن شبَّهها بالحقوق الواجبة المؤجلة أجاز إخراجها قبل الأَجَل على جهة التطوع»(7). اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________________

(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (2/176-178): «(قال): وتعجيل الزكاة عن المال الكامل الموجود في ملكه من سائمة أو غيرها جائزٌ عن سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك»

جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (6/92-115): «قال المصنف رحمه الله تعالى: باب تعجيل الصدقة: (كل مال وجبت فيه الزكاة بالحول والنصاب لم يجز تقديم زكاته قبل أن يملك النصاب؛ لأنه لم يوجد سبب وجوبها فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع والدية قبل القتل، وإن ملك النصاب جاز تقديم زكاته قبل الحول».

وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/471): «فصل: ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، بغير خلاف علمناه. ولو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز؛ لأنه تعجل الحكم قبل سببه. وإن ملك نصابًا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه، أو يربحه فيه، أجزأه عن النصاب دون الزيادة».
وجاء في «الفروع» من كتب الحنابلة أيضًا (2/571-572): «يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إذا تم النصاب ، جزم به الأصحاب».

(2) جاء في «المدونة» (1/335): «تعجيل الزكاة قبل حلولها قلت: أرأيت الرجل يعجل زكاة ماله في الماشية وفي الإبل أو في المال لسنة أو لسنتين، أيجوز ذلك؟ قال: لا».
وجاء في «الذخيرة» (2/507-513): «وفي الكتاب: لا ينبغي إخراج زكاة عين ولا ماشية قبل الحول إلا بيسير، فإن عجل زكاة ماشيته لعامين لم يجزه. وفي الجواهر: في اليسير خلاف. واختلف في حده إذا جوزناه، فقال ابن القاسم: نحو الشهر، وقال ابن المواز: اليومان. وحكى ابن حبيب عمن لقي من أصحاب مالك: العشرة، وقيل: نصف الشهر. وهذا الخلاف في العين والماشية، وأما الحرث فلا يجوز التقديم فيه».

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/104) حديث (822)، وأبو داود في كتاب «الزكاة» باب «في تعجيل الزكاة» حديث (1624)،والترمذي في كتاب «الزكاة» باب «ما جاء في تعجيل الزكاة» حديث (678)، وابن ماجه في كتاب «الزكاة» باب «تعجيل الزكاة قبل محلها» حديث (1795)، والدارمي في كتاب «الزكاة» باب «في تعجيل الزكاة» حديث (1636)، والحاكم في «مستدركه» (3/375) حديث (5431). وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

(4) أخرجه الترمذي في كتاب «الزكاة» باب «ما جاء في تعجيل الزكاة» حديث (679)، وقال الترمذي: «لا أعرف حديث تعجيل الزكاة من حديث إسرائيل عن الحجاج بن دينار إلا من هذا الوجه وحديث إسمعيل بن زكريا عن الحجاج عندي أصحُّ من حديث إسرائيل عن الحجاج بن دينار، وقد روي هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبي ﷺ مرسلًا، وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يُعجلها وبه يقول سفيان الثوري. قال: أحب إلي أن لا يعجلها. و قال أكثر أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق».

(5) «المغني» (2/471).

(6) «مجموع الفتاوى» (25/86).

(7) «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (2/36).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 الزكاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend