تحليف العمال على الأمانة في بداية عملهم

نُهنِّئ فضيلتكم بشهر رمضان المبارك، وأسأل اللهَ العليَّ الكبير أن يرفع قدرك يا دكتور صلاح.
وسؤالي: صاحب سلسلة محلات كبيرة في مصر (سوبر ماركت) نَحْسَبُه على خيرٍ ولا نُزكِّي على الله أحدًا، يتعرَّض للسَّرقة الدَّائمة من العمالة، فقرَّر أن يعملَ امتحانَ قبولٍ (امتحانًا في الدِّين)، وسوف يقوم بتعيينِ شخصٍ مُخصَّصٍ يجري هذا الامتحان للعمالة المُتقدِّمة، وتكون الأسئلة في الأشياء الأساسيَّة التي لا يسع المسلمَ الجهلُ بها، كما أشرتم في كتابكم الرَّائع «ما لا يسع المسلم جهله». فإذا كان العاملُ لا يُصلِّي مثلًا فيتمُّ رَفْضه ويتمُّ سؤاله كيف يتوضَّأ، ومن خلال إجابته سيتبيَّن هل يُصلِّي أم لا، وغيرها من الأسئلة الأساسيَّة والسهلة؛ لأن صاحبَ العمل- حفظه الله- يرى أن من يُصلِّي ويعرف ربَّنا ستكون صلاته ناهية له عن الفحشاء والـمُنكَر على الأقل، ثم بعد ذلك يكون هناك موعظة عامة للجميع من الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة.
فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وهل يجوز أن نجعل العمالة تُقسم بالله على أن يتَّقوا اللهَ في العمل ولا يغشوا النَّاس ولا يسرقوا وهكذا، وذلك قبل أن يتسلموا العمل؟ ولكي نُخوِّفهم من خطورة السَّرقة والغشِّ هل لنا أن نجعلهم يقولون فى نهاية القسم إنهم إذا خالفوا ذلك عليهم لعنة الله وغضبه؛ وذلك لتغليظ اليمين بالنِّسْبة لهم؟ بارك اللهُ فيك يا دكتور صلاح.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد أحسن صاحبُ العمل عندما جعل من الدِّيانة شرطًا فيمن يتقلَّد وظيفةً في مشروعاته، فقد بيَّنت الأدلَّة الشَّرْعيَّة أن الأمانةَ والقوة شرطان في أصحاب الولايات، عامَّةً كانت أو خاصَّةً، فقال تعالى:﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وفي قصة يوسف ﴿ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: 54]، وفي وصف أمين السَّماء جبريل: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *  مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 20، 21]، والذي لم يكن أمينًا على فرائض ربِّه كيف يكون أمينًا على حقوق عباده؟!
وإذا تقرَّر ذلك فلا حرج في أن يتَّخذ من الوسائل ما يستوثق معه من تحقُّق هذين الوصفين، فكما يحرص على التَّأكُّد من جانب الخبرة من خلال الشَّهادات والوثائق فإن له أن يحرص على التَّأكُّد من جانب الأمانة، سواءٌ أكان ذلك من خلال شهادة الشُّهود أو من خلال إجراء الاختبارات المذكورة، أو غير ذلك من الوسائل التي تُعينه على تحقيق بغيته؛ فإن الأمرَ في ذلك واسعٌ.
ولا حرج عند فساد الزَّمان من تحليف العُمَّال على الأمانة في بدايات عملهم، وأرى أن يكتفيَ بالقسم، ولا داعي لتغليظه بقوله: وإن خالف في ذلك فعليه لعنة الله وغضبه؛ فما علمنا هذا في الشَّريعة إلا في باب اللِّعان، وأرجو أن يتحقَّق المقصود بالقسم الـمُجرَّد.
ونسأل اللهَ أن يُلهِمَنا جميعًا رشدنا، وأن يستخدمنا في طاعته، وأن يرزقنا الرِّفق بعباده. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 الزكاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend