الامتناع من الصدقة على من يغلب على الظن احترافُه للتسول

ونحن في الحرم المكي نقابل ناسًا تطلب منا فلوسًا بحجَّة أنه ليس معهم ثمن المواصلات، وهذا الموضوع يحدث كثيرًا، ومعظم هولاء يأخذونها تجارةً، وبالتالي فإننا لا ندري هل الذي يطلب المال محتاج له فعلًا أم لا، وبالتالي يكون معظم ردِّنا برفض إعطائهم مع أننا يكون معنا فلوسٌ، هل في هذا ذنب؟ وجزاك اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الذي يظهر أن مبنى الأمر في ذلك على غلبة الظَّنِّ، فمن غلب على الظَّنِّ أنه يسأل النَّاسَ من أموالهم تكثُّرًا وهو غير محتاجٍ فهذا الذي لا ينبغي أن يُعان على ذلك، بل يُنصح بالحكمة والموعظة الحسنة ويُبيَّن له أن هذا لا يَحِلُّ له، ومن غلب على الظَّنِّ أنه من أهل الصَّدَقة أُعطي منها ما يُغنيه، والمخطئ في هذا بعد تَحرِّيه معذورٌ ومأجور.
أمَّا بالنِّسْبة للمسألة نفسها فمن المعلوم أنها تجوز للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه ولا يقدر على التكسب، فيسأل النَّاس مقدار ما يسدُّ حاجته فقط، وأما غير المحتاج أو المحتاج الذي يقدر على التكسُّب فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من النَّاس في هذه الحالة حرامٌ عليه؛ لحديث قبيصة بن مخارق الهلاليِّ رضي الله عنه  قال: تحمَّلت حمالةً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  أسأله فيها فقال: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». ثم قال: «يَا قُبَيْصَةُ، إِنَّ الْـمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْـمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْـمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ- أو قال: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ- وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْـحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْـمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ- أو قال: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ- فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْـمَسْأَلَةِ يَا قُبَيْصَةُ فَسُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا»(1).
وحديث: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَـهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»(2).
وحديث: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»(3). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «من تحل له المسألة» حديث (1044).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «كراهة المسألة للناس» حديث (1041) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(3) أخرجه أبو داود (1634). وقال ابن حجر في التلخيص (3/1106): إسناده حسن، ولفظه: لذي مرة قوي.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 الزكاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend