في بعض المناطق وفي بعض الجاليات الإسلامية في أمريكا قد لا تتوفر بعض الأطعمة المذكورة في نصوص الشريعة، وقد لا يعرف كثير من الفقراء والمساكين كيفية الاستفادة من بعض هذه الأطعمة، ويثير هذا جملة من الأسئلة، منها:
هل يجوز أن يتسع الطعام ليشمل كل ما يطلق عليه طعام، بما في ذلك الزيت والخضراوات والفواكه والأرز واللحوم والحلوى وغيرها، أم أن بعض هذه الأطعمة لا يجوز إلا في حال التأكد من أن هؤلاء الفقراء والمساكين يتعسر عليهم أكل هذه الأطعمة لمدة طويلة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
المنصوص عليه من الأطعمة في الأحاديث هو التمر والشعير والزبيب والأقط والبر، ففي حديث ابن عمر ب عند البخاري: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة(1).
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب(2).
وقد كانت هذه الأصناف هي الشائعة في زمن النبوة، ففي رواية أخرى لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر. رواه البخاري(3).
وقاس عليها أهل العلم كل ما اتخذه الناس قوتًا، فيدخل في ذلك الأرز والعدس والبقول ونحوها، فقالوا: على المزكي أن يخرج صاعًا من غالب قوت البلد.
ولكن هل يمكن اعتبار القيمة بحيث يستعاض عن ذلك بدراهم أو دنانير؟ اختلف أهل العلم في الإجابة على ذلك، والمعول عليه عند جمهورهم(4) هو المنع، وأن الطعام مقصود بذاته في صدقة الفطر، ولاسيما أن القيمة قد يساء استغلالها، فقد يوجهها بعض الفقراء إلى بعض المصارف المحرمة.
وذهب الأحناف(5) ومن تبعهم إلى مراعاة المعنى، فقالوا: إن المقصود بصدقة الفطر إغناء المحتاجين عن السؤال في هذا اليوم، والإغناء كما يتحقق بالطعام يتحقق بغيره، بل قد تكون القيمة أفضل لأنها أدفع لحاجة الفقير وأكثر نفعًا له.
ومنهم من قال: إن العبرة بما هو أنفع للفقير وأدفع لحاجته، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.
قال محمد بن سلمة: أيام السعة دفع القيمة أحب إلي، وأيام الشدة دفع الحنطة أحب إلي.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولكنه رخص في إخراج القيمة للحاجة والمصلحة والعدل(6).
من أجل ذلك مال كثير من المتأخرين إلى ترجيح قول أبي حنيفة في هذا المقام نظرًا لتحقق الحاجة بالنقود بما لا تتحقق به الحاجة من غيرها، ولأن حاجة الفقراء ليست وقفًا على الطعام؛ فقد يكونون في أمس حاجة إلى الدواء أو الكساء منهم إلى الطعام والشراب.
ولعل من الاجتهادات الراشدة في هذا المقام إعداد ما يسمى في الغرب «foadxstamp» أي كوبونات للأطعمة لا يشترى بها إلا الأطعمة فحسب، فهذه تجمع بين المعنيين وتحقق كلا المقصودين، إنها تبقي صدقة الفطر في حدود الأطعمة، وتعطي مرونة للفقير في اختيار ما شاء من الأطعمة، وتعفيه من مشقة حفظها، ومما يفوت عليها بسبب فسادها إذا تكاثرت عنده، ولعل تعميم هذا المعنى يكون من التطوير الحميد في ممارسة هذه العبادة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «فرض صدقة الفطر» حديث (1503)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة» حديث (986).
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «صدقة الفطر صاع من طعام» حديث (1506)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير» حديث (985).
(3) أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الصدقة قبل العيد» حديث (1510).
(4) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (3/85): «النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر أجناسا معدودة، فلم يجز العدول عنها، كما لو أخرج القيمة وذلك لأن ذكر الأجناس بعد ذكره الفرض تفسير للمفروض، فما أضيف إلى المفسر يتعلق بالتفسير، فتكون هذه الأجناس مفروضة فيتعين الإخراج منها، ولأنه إذا أخرج غيرها عدل عن المنصوص عليه، فلم يجز، كإخراج القيمة، وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه، والإغناء يحصل بالإخراج من المنصوص عليه، فلا منافاة بين الخبرين؛ لكونهما جميعا يدلان على وجوب الإغناء بأداء أحد الأجناس المفروضة».
(5) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (2/72-74): «فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم، أو دنانير، أو فلوسا، أو عروضا، أو ما شاء وهذا عندنا… الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم: أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم، والإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة».
(6) «مجموع الفتاوى» (25/82).