إخراج الزكاة للمحتاج من طائفة الروافض

ماذا يقول السادة الأفاضل علماء الدِّين وحراس العقيدة في دفع الزَّكاة لمن غلبه الدَّين وأحاطت به غائلة الـمَسْغَبة ممن هو على مذهب الروافض؟ أفتونا حفظكم الله وجعلكم ذخرًا للإسلام والمسلمين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن أهل البدع ليسوا سواءً: فمنهم الرءوس والأئمة، ومنهم العامة وأشباه العامة، وما بين هؤلاء وهؤلاء مراتب منها ما يكون أقرب إلى الأولين ومنها ما يكون أقرب إلى الآخرين، وينبغي أن يُعامل كلُّ فريقٍ بما يستحقُّ، فإن شريعةَ الله لا تجمع بين مختلفين ولا تُفرِّق بين متماثلين.
يقول ابن القيم :: «فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلِّد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يُكفَّر ولا يُفسَّق ولا تُردُّ شهادته إذا لم يكن قادرًا على تعلُّم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًّا غفورًا(1).
القسم الثَّاني: المتمكِّن من السُّؤال وطلب الهدايةَ ومعرفة الحقِّ ولكن يترك ذلك اشتغالًا بدنياه ورياسته ولذَّته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مُفرِّط مستحقٌّ للوعيد آثمٌ بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السُّنة والهدى رُدَّت شهادته، وإن غلب ما فيه من السُّنة والهدى قُبِلت شهادته.
القسم الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبيَّن له الهدى ويتركه تقليدًا وتعصُّبًا أو بغضًا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقلُّ درجاته أن يكونَ فاسقًا، وتكفيره محلُّ اجتهادٍ وتفصيل، فإن كان مُعلِنًا داعية رُدَّت شهادته وفتاويه وأحكامه مع القدرة على ذلك ولم تُقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا عند الضَّرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي رَدِّ شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فسادٌ كثير، ولا يُمكن ذلك، فتُقبَل للضرورة»(2).
وعلى هذا، فإن كان من تتحدَّث عنه من العامة وأشباه العامة فلا حرج أن يُعامل بما يُعامل به عوامُّ أهل السُّنة، فيُعان غارمهم ويُغاث مكروبهم، تألُّفًا لقلوبهم بذاك على الطَّاعة والاستقامة، وقد سبق قول ابن القيم في هؤلاء وأمثالهم: «فهذا لا يُكفَّر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرًا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًّا غفورًا».
أما إن كان من غيرهم ورجوت أن يكون ذلك سبيلًا إلى استمالة قلوبهم على السُّنة وتألُّفهم عليها فلا حرج في ذلك؛ لأن الشَّريعة قد جَعلت للمُؤلَّفة قلوبُهم سهمًا في الزَّكاة، ومِن هؤلاء قومٌ من غير المسلمين يُعطَون تألُّفًا لقلوبهم على الإسلام، أو دفعًا لأذاهم عن المسلمين، فإذا جاز أن يُعطى من الزَّكاة على سبيل التألُّف من لم يكن من أهل القبلة فلأن يجوز ذلك مع بعض أهل القبلة أولى وأقيس. ووالذي نفسي بيده إننا لنحب أن يردهم الله إليه ردًّا جميلًا، وأن يكونوا سيوفًا للحق لا سيوفًا عليه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *  إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا *  فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 97 – 99]

(2) «الطرق الحكمية» (1/254- 255).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 الزكاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend