ماذا تقول في رجلٍ ذهبَ للحَجِّ وعقد النية في الميقات أن هذا الحج عن أحد أقربائه، فلما رجع علِمَ أنه أخطأ في الحَجِّ عن غيره وهو لم يحجَّ عن نفسه لما سمع بحديث شبرمة. فهل تقع هذه الحجة عنه؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه المسألة من مواضع النظر بين أهل العلم، فمنهم من قال: تقع هذه الحجة عنه، ولا تقع عمَّن حج عنه، وإن كان قد بذل له مقابل في ذلك وجب عليه رَدُّه. ومنهم من قال: لا تقع عن أحدٍ منهما. ومنهم من قال: تقع عمَّن نوى أن يحجَّ عنه.
والظاهر الأول؛ لأنه حَجَّ عن غيره قبلَ الحج عن نفسه، فلم يقع عن الغير؛ لما روى ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرُمة. فقال: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» فذكر له أنه أخٌ له قد مات، فسأله: «أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» فقال: لا. فقال: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ أَوَّلًا ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»(1).
قال ابن قدامه في «المغني»: ((مسألة: قال: (ومن حجَّ عن غيره، ولم يكن حجَّ عن نفسه، رَدَّ ما أخذ، وكانت الحجة عن نفسه. وجملةُ ذلك أنه ليس لمن لم يحجَّ حجةَ الإسلام أن يحجَّ عن غيرِه، فإن فعل وقع إحرامُه عن حجَّةِ الإسلام. وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وقال أبو بكر عبد العزيز: يقع الحجُّ باطلًا، ولا يصح ذلك عنه ولا عن غيره. وروي ذلك عن ابن عباس؛ لأنه لما كان من شرط طواف الزيارة تعيينُ النية، فمتى نواه لغيره ولم ينو لنفسه، لم يقع لنفسِه، كذا الطواف حاملًا لغيره لم يقع عن نفسه. وقال الحسن، وإبراهيم، وأيوب السختياني، وجعفر بن محمد، ومالك وأبو حنيفة: يجوز أن يحجَّ عن غيرِه من لم يحجَّ عن نفسه. وحكي عن أحمد مثل ذلك. وقال الثوري: إن كان يقدر على الحجِّ عن نفسه حجَّ عن نفسه، وإن لم يقدر على الحج عن نفسه حجَّ عن غيره. واحتجوا بأن الحجَّ مما تَدْخُلُه النيابة، فجاز أن يؤديَه عن غيره من لم يُسقِط فرضَه عن نفسه، كالزكاة. ولنا، ما روى ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قال: قريب لي. قال: «هَلْ حَجَجْتَ قَطُّ؟» قال: لا. قال: «فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ». رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وهذا لفظه. ولأنه حجَّ عن غيره قبل الحج عن نفسه، فلم يقع عن الغير، كما لو كان صبيًّا. ويفارق الزكاة فإنه يجوز أن ينوب عن الغير، وقد بقي عليه بعضُها، وهاهنا لا يجوز أن يحجَّ عن الغير من شرع في الحج قبل إتمامه، ولا يطوف عن غيره من لم يطف عن نفسه. إذا ثبت هذا، فإن عليه ردُّ ما أخذ من النفقة، لأنه لم يقع الحج عنه، فأشبه ما لو لم يحج))(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك» باب «الرجل يحج عن غيره» حديث (1811)، وابن ماجه في كتاب «المناسك» باب «الحج عن الميت» حديث (2903)، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (1/ 345) وقال: «رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد على شرط مسلم»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (1811).
(2) «المغني» (3/235-236).