حج المرأة بدون محرم

هل يجوز لأختين سافرتا معًا إلى السعودية بدون محرم للعمل عند أميرة كمُدرستين لطفلها- أن تؤديا معًا فريضة الحج ضمن وفد عاملات كل الأمراء؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في اشتراط المحرم للمرأة في الحج: فمنهم من جعله شرطًا واعتبره جزءًا من الاستطاعة التي أنيط بها وجوب الحج، وهو قول الحنفية(1) والحنابلة(2)، ومن أدلتهم على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعِ ذِي مَحْرَمٍ»(3).
وعن ابن عباس ب أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرْ الْـمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة وإني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ»(4).
وذلك لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها، فتحتاج إلى من يُركبها ويُنزلها، ولا يتأتى ذلك إلا مع الزوج، أو المحرم.
ومنهم من لم يعتبره شرطًا، وهو قول الشافعية(5)، بل يكفي وجود النسوة الثقات، حتى لو فرض وجود الزوج والمحرم القادرين على السفر معها، وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن الرفقة تقطع الأطماع فيهن، ولأنه سفر واجب لا يشترط له المحرم، كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار، وكالسفر لحضور مجالس الحاكم، واستدلوا على ذلك بحديث عدي بن حاتم الطائي، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال له: «هَلْ رَأَيْتَ الْـحِيرَةَ؟». قلت: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْـحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ»». الحديث(6). وأن عمر رضي الله عنه  قد أذن لأزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  في الحجِّ بعد وفاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  مع رفقة مأمونة، وأن هذا كان بمحضرٍ من الصحابة ولم يُنكر عليه(7).
وتوسط المالكية(8) فذهبوا إلى وجوب وجود الزوج، أو المحرم، فإن لم يوجدا أو وُجدا لكن امتنعا أو عجزا عن مرافقتها فرفقة مأمونة.
والذي يظهر لنا أن هذا هو أعدل الأقوال في هذه المسألة؛ لأنه يجمع بين أدلة الطرفين؛ فقد أذن عمر لنساء النبي صلى الله عليه وسلم  في الخروج إلى الحج في رفقة مأمونة بعد تردده في ذلك، وكان هذا على محضر من الصحابة، فانعقد ما يشبه الإجماع على ذلك.
وعلى هذا فالذي يظهر أن السفر مع مثل هذه العائلات يُعد رفقة مأمونة يشرع الحج معها إذا كانت هذه الحجة هي حجة الإسلام، وتوصى المرأة في هذه الحالة بتقوى الله عز وجل ، وتجنب الاختلاط، والالتزام بالصيانة والعفاف. ونسأل الله لنا ولها القبول. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) جاء في «فتح القدير» من كتب الحنفية (2/419-423): «(ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرم تحج به أو زوج، ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام)».

(2) جاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (2/394-396): «فصل: ويشترط لوجوب الحج على المرأة. شابة كانت أو عجوزا مسافة قصر، ودونها: وجود محرم… (وكذا يعتبر) المحرم (لكل سفر يحتاج فيه محرم) أي: لكل ما يعد سفرا عرفا، و (لا) يعتبر المحرم إذا خرجت (في أطراف البلد مع عدم الخوف) عليها؛ لأنه ليس بسفر (وهو) أي المحرم (معتبر لمن لعورتها حكم وهي بنت سبع سنين فأكثر)؛ لأنها محل الشهوة بخلاف من دونها».

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الحج» باب «سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره» حديث (1338) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه .

(4) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الجهاد والسير» باب «من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة» حديث (3006)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «سفر المرأة مع محرم» حديث (1341).

(5) جاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (2/109-116): «(و) يشترط (في المرأة) لوجوب الحج عليها (أن يخرج معها زوج أو محرم) بنسب أو غير نسب. (أو نسوة ثقات) لتأمن على نفسها (والأصح أنه لا يشترط وجود محرم لإحداهن) لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (1/447-448): «(فإن كان) من يريد النسك (امرأة اشترط) أن يخرج (معها زوج أو محرم) بنسب أو غيره لتأمن على نفسها… (أو نسوة ثقات ولا يشترط) أن يخرج معهن (محرم) أو زوج (لإحداهن) لانقطاع الأطماع باجتماعهن».

(6) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «علامات النبوة في الإسلام» حديث (3595).

(7) فقد أخرج البخاري في كتاب «الحج» باب «حج النساء» حديث (1860) عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه  قال: «أَذِن عمر رضي الله عنه  لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم  في آخر حَجَّة حَجَّها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف».

(8) جاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (2/521-522): «ص (وزيادة محرم أو زوج كرفقة أمنت بفرض). ش: يعني ويشترط في وجوب الحج على المرأة أيضا وجود زوج أو محرم فإن لم يكن لها محرم ولا زوج فيجب عليها الخروج للحج في الفرض في رفقة مأمونة».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend