تزويج الابن أم الحج؟

أنا شاب عندي حوالي 24 سنة وقد رزقني الله بالالتزام. وأنا حاليًّا ما زلت أدرس في كلية الشريعة في الفرقة الثانية وعندي يا فضيلة الشيخ رغبة شديدة جدًّا للزواج لشدة الشهوة بداخلي ولتفكيري الشديد والدائم في النساء ولخوفي الشديد على نفسي من الفتن في هذا الزمن وكثيرًا ما ينتابني خواطر جنسية خبيثة. ولي يا فضيلة الشيخ ثلاثة إخوة (ولد وبنتان) قد تزوجوا وقد تكفَّل أبي بدفع مصاريف زواجهم بالكامل «من الألف إلى الياء». وقد فاتحت أبي وأمي في موضوع الزواج الآن والحمد لله أولًا ثم بفضل إجابتكم لي على فتوى سابقة بخصوص الزواج، وقد وافق أبي وأمي على أن أتزوج في هذه الفترة أثناء دراستي الحالية. وقد فرحت جدًّا بموافقة أسرتي على تزويجي ولكني بعد ذلك تذكرت أمرًا مهمًّا يؤرقني ويقلقني بشدة وهو أن أبي وأمي لم يؤديا حتى الآن فريضة الحج وحالَةُ أبي المادية في هذه الفترة التي نعيشها يا فضيلة الشيخ لا تسمح بتنفيذ الأمرين- تزويجي، وأداء فريضة الحج- في وقت واحد فالمال الذي يملكه أبي في الفترة الحالية محدود يكاد يكفي بالكاد لتزويجي ولباقي مصاريف الأسرة فقط وذلك لأن أبي قد سدد في الفترة السابقة ديونًا كبيرة كانت عليه والتي كانت سببًا في إعاقته عن أداء فريضة الحج فيما مضى من عمره.
المهم أن المال الذي يملكه أبي الآن لا يجعله مستطيعًا لأداء فريضة الحج هو وأمي لأن تذاكر السفر غالية جدًّا ولا يملك أبي قيمتها الآن لذا فهو يعتبر غير مستطيع للحج الآن اللهم إلا عن طريق واحد فقط وهو القرعة السنوية للحج التي تحدث في مصر كل عام لأن سعر تذكرة السفر عن طريقها منخفض ولكن هذه القرعة كما تعلمون وسيلة احتمالية وليست أكيدة أي أن نتيجة فوز أبي في القرعة ليست نتيجة مؤكدة بل هي نتيجة محتملة وطبعًا بالتأكيد قد مضى وقت أداء الحج هذا العام ولكن ما أقصده الحج في الأعوام القادمة.
فما الأَوْلى والأفضل في رأي فضيلتكم أن أترك فكرة الزواج الآن بالرغم مِن احتياجي الشديد له حتى يقومَ أبي وأمي بأداء الحج وإسقاط الفريضة مِن عليهما في الأعوام القادمة وذلك مِن باب أن أكون بارًّا بهما مع العلم بأن انتظاري قد يطول جدًّا لأني أعلم جيدًا ظروف أسرتي من الناحية المادية؟ أم أن زواجي الآن يا فضيلة الشيخ هو أولى وأفضل من حج أبي وأمي؟ مع العلم فضيلة الشيخ أن هناك أمرين مهمين جدًّا ينبغي أن أخبرَك بهما:
1- أن أبي وأمي لم يطلبا مني أن أؤجلَ فكرة الزواج الآن لكي يحجَّا ولم يفتحَا معي هذا الموضوع على الإطلاق حتى لم يخطر ببالهما هذا الموضوع بل على العكس هما مرحبان جدًّا بفكرة زواجي الآن وغير معترضين بالمرة على تلبية رغبتي، ولكن يا فضيلة الشيخ أنا شخصيًّا الذي صممت على إرسال هذا السؤال بدون حتى أن أخبر أبي وأمي بذلك لمعرفة أي الأمرين يرضي الله أكثر زواجي أم حجهما؟ لكي يرتاح ضميري من هذه الناحية.
2- أنني والحمد لله وجدت الفتاة التي كنت أحلم بالارتباط بها وهي إنسانة على درجة كبيرة من الالتزام والجمال، وأيضًا فإن أسرتها أسرة ملتزمة وقد ذهبت أنا وأهلي لخطبتها ورأيتها رؤية شرعية وبفضل الله حدث بيني وبين هذه الفتاة إيجاب وقبول شديدان وأيضًا قد أحبتها أمي بشدة وجميع أسرتي رحبوا وفرحوا جدًّا بهذا النسب. وبصراحة يا شيخ فإني قد تعلقت بهذه الفتاة جدًّا وأتمنى من الله أن تكونَ مِن نصيبي. وقد استخرت الله كثيرًا ولكن بقي لي خطوة واحدة إن تمت سيكون زواجي إن شاء الله بعدها في أقرب وقت وهي خطوة الاتفاقات المادية على مهر الزواج ولكني قبل أن أخطو هذه الخطوة أريد مِن فضيلتكم إجابةً شافيةً على سؤالي السابق: هل زواجي الآن أفضل أم حج أبي وأمي هو الأفضل؟
أرجو من فضيلتكم الرد في أسرع وقت حتى أعرف هل أستمر في مشوار ارتباطي بهذه الفتاة أم لا؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الحج فريضةُ الله على عباده، وأحدُ أركان الإسلام الخمسة كما هو ظاهر، والأصل أن يُبادر الإنسان إلى الحج متى تيسَّرت له أسبابه قبل أن تطرأ عليه الطوارئُ وتصرفه الصوارف، فقد يمرض الصحيح ويفتقر الغني، ومن ناحية أخرى فإن الزواجَ تعتريه الأحكامُ الخمسة كما يقول أهل العلم: فقد يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو محرمًا أو مكروهًا.
وفي الحالة التي يكون فيها واجبًا يُقدم على الحج، ويكون واجبًا لمن تاقت نفسُه إليه وتيسرت له أسبابُه، وخشي على نفسه من الوقوعِ في العنت إذا لم يتزوج، فمن كان هذا حاله فإن الزواج يُقدم بالنسبة له على الحج.
فإذا كنت تخاف العنت فإن الزواج يقدم على الحج، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «وإن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العَنَتَ بتركه قدَّمه على الحجِّ»(1). وهذا الحكم يسري على المرأة إذا خافت الوقوع في الحرام إن لم تتزوج.
وكما ينطبق هذا الحكم عليك فإنه- والله أعلم- ينطبق على مَن سيعينك عليه كذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) «الفتاوى الكبرى» (4/528).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend