الاشتراك في العقيقة

هل يجوز في العقيقة إذا بلغ عدد الكباش إلى خمسة أو ما يزيد أن تستبدل بعجل، أي تجميع كل من يريد أن يقوم بعقيقة في ذبيحة واحدة وهي العجل؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف العلماء في الاشتراك في العقيقة على قولين:
القول الأول: يجوز ذلك. وهو قول الحنفية(1) والشافعية، قال النووي: «ولو ذبح بقرة أو بدنة عن سبعة أولاد أو اشترك فيها جماعة جاز، سواء أرادوا كلهم العقيقة أو أراد بعضهم العقيقة وبعضهم اللحم، كما سبق في الأضحية»(2).
وقال الحافظ ابن حجر: «وذكر الرافعي بحثًا أنها تتأدى بالسُّبُع كما في الأضحية»(3).
القول الثاني- وهو الأرجح فيما يظهر لنا: أنه لا يجوز الاشتراك في العقيقة، فإذا أراد شخص أن يَعُقَّ ببقرة أو جزور فيجوز ذلك عن مولود واحد فقط. وهو قول المالكية(4) والحنابلة ونص عليه الإمام أحمد؛ قال الخلال في «جامعه»: باب حكم الجزور عن سبعة: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه قال لأبي عبد الله الإمام أحمد: يعق بجزور. وقال الليث: قد عق بجزور. قلت: يعق بجزور عن سبعة؟! أنا لم أسمع في ذلك بشيء، ورأيته لا ينشط لجزور عن سبعة في العقوق.
وجاء في «الشرح الممتع على زاد المستقنع»: «والبدنة والبقرة عن سبعة، يُستثنى من ذلك العقيقة؛ فإن البدنة لا تُجزئ فيها إلا عن واحد فقط»(5). اهـ.
فالحنابلة يرون أن الرأس من البقر أو الإبل يجزئ عن مولود واحد فقط، ولا يصح أن تكون البقرة عن سبعة ولا الناقة عن سبعة، قال المرداوي: ولو عق ببدنة أو بقرة لم يجزئه إلا كاملة.
وحجة الشافعية القياس على الأضحية والهدي، حيث يجوز الاشتراك في الأضحية والهدي والبدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص؛ فقد ورد في الحديث عن جابر قال: نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. رواه الترمذي وقال: «هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  وغيرهم»(6).
وحجة الحنابلة في عدم الجواز عدم ورود دليل على ذلك.
قال العلامة ابن عثيمين معلقًا على قول موسى الحجاوي المقدسي: وحكمها كالأضحية، إلا أنه لا يجزئ فيها شِرْك في دم- أي العقيقة لا يجزئ فيها شِرْك دم- فلا تُجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة من باب أولى.
ووجه ذلك أولًا: أنه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف.
ثانيًا: أنها فداء، والفداء لا يتبعض؛ فهي فداء عن النفس، فإذا كانت فداء عن النفس فلابد أن تكون نفسًا، والتعليل الأول لا شك أنه الأصوب؛ لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على عدم ورود ذلك.
وعلل ابن القيم عدم جواز الاشتراك في العقيقة بكلام لطيف حيث قال: «لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود كان المشروع فيها دمًا كاملًا لتكون نفسٌ فداء نفسٍ، وأيضًا فلو صح فيها الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد، فإن إراقة الدم تقع عن واحد ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط، والمقصود نفس الإراقة عن الولد، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه من منع الاشتراك في الهدي والأضحية، ولكن سنة رسول الله أحق وأولى أن تتبع، وهو الذي شرع الاشتراك في الهدايا وشرع في العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور ولا بقرة، والله أعلم»(7).
كذا قال: وينبغي أن يقال: سبع جزور ولا سبع بقرة.
ومع أن الحنابلة ممن يرون أن حكم العقيقة هو حكم الأضحية إلا أنهم استثنوا هذه المسألة من ذلك، كما ذكر المرداوي: ويستثنى من ذلك أنه لا يجزئ فيها شرك في بدنة ولا بقرة.
وقال ابن القيم: ولا يجزئ الرأس إلا عن رأس، هذا بتمامه تخالف فيه العقيقة الأضحية والهدي. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) جاء في «بدائع الصنائع» (5/71-72): «ولو أرادوا القربة؛ الأضحية أو غيرها من القرب- أجزأهم سواء كانت القربة واجبةً أو تطوعًا أو وجبت على البعض دون البعض، وسواء اتفقت جهات القربة أو اختلفت بأن أراد بعضهم الأضحية وبعضهم جزاء الصيد وبعضهم هدي الإحصار وبعضهم كفارة شيء أصابه في إحرامه وبعضهم هدي التطوع وبعضهم دم المتعة والقران، وهذا قول أصحابنا الثلاثة. وقال زفر رحمه الله: لا يجوز إلا إذا اتفقت جهات القربة بأن كان الكل بجهة واحدة. (وجه) قوله: إن القياس يأبى الاشتراك؛ لأن الذبح فعل واحد لا يتجزأ فلا يتصور أن يقع بعضه عن جهة وبعضه عن جهة أخرى؛ لأنه لا بعض له إلا عند الاتحاد، فعند الاتحاد جعلت الجهات كجهة واحدة وعند الاختلاف لا يمكن فبقي الأمر فيه مردودا إلى القياس. (ولنا) أن الجهات- وإن اختلفت صورة- فهي في المعنى واحد؛ لأن المقصود من الكل التقرب إلى الله- عز شأنه- وكذلك إن أراد بعضهم العقيقة عن ولد ولد له من قبل؛ لأن ذلك جهة التقرب إلى الله تعالى- عز شأنه- بالشكر على ما أنعم عليه من الولد».

(2) «المجموع» (8/321).

(3) «فتح الباري» (9/593).

(4) جاء في «الذخيرة» (3/446-452): «والعقيقة في الإسلام للمولود… ولا يشترك فيها كالأضحية، والذكر والأنثى سواء شاة».

(5) «الشرح الممتع على زاد المستقنع» لابن عثيمين (7/428).

(6) أخرجه الترمذي في كتاب «الحج» باب «ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة» حديث (904) وقال: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (1061) وفي «المشكاة» حديث (2636).

(7) «تحفة المودود» ص82.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend