فضيلة الشيخ، أنا في حالة لا يعلمها إلا الله عقب وفاة عمي، فقد كنت معه في آخر لحظاته، وفي الحقيقة لم أدرك سكرات الموت التي نقرأ عنها في الكتب إلا عندما رأيتها رؤية العين، من ذلك الوقت فقدت الإحساس بالوقت. فكيف يكون بينك وبين ملك الموت شبرٌ وهو يقبض روح إنسان أمام عينيك ويتركك أنت لأن ساعتك لم تحن؟! ولكن حقًّا أحتاج للنصيحة لأعود إلى حياتي الطبيعية.
هناك أمر آخر عندما كنت بجوار عمي ليلة وفاته رأيت برقًا في داخل الغرفة ولم يصدقني أحد. فهل من الممكن أن هذا دخول ملك الموت كما قيل لي، أم هذا وهم؟ جزاكم الله كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن أراد واعظًا فالموت يكفيه، وإن للموت لسكرات، وما رأينا حقًّا أشبه بباطل من الموت! فهو الحقيقة التي ينتهي عندها تجبر المتجبرين، وعتو المستكبرين، عندما تحشدهم في صحراء العبودية المحضة لقيام السموات والأرضين، لقد منَّ الله عليك فأراك شيئًا من آياته، تذكرة لك، وإعانة لك على شيطانك ونفسك الأمارة بالسوء، فاغتنم هذه الفرصة، واجعلها توبة صادقة، وهمة عالية على لزوم الطاعات واجتناب المنكرات، وأن تعمل صالحًا يرضاه سبحانه وتعالى.
ولكن هذا لا يعني اليأس أو الانقطاع عن الحياة؛ فإن رحمة الله قريب من المحسنين، وإن الله أرحم بعباده من آبائهم وأمهاتهم، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة(1). إن هذه المشاعر تكون إيجابية ويجب اغتنامها عندما تزهدك في الدنيا لتربطك بالآخرة، وعندما تبغض إليك المعصية لتحبب إليك الطاعة وتجملها في عينك، وتمنحك همة على القيام بها، ولكنها تصبح سلبية ونوعًا من أنواع المرض والاكتئاب الذي يلتمس التداوي منه إن بغضتك في الدنيا ولم تحبب إليك الآخرة، وإن زهدتك في المعصية ولم تشوقك إلى الطاعة، عندئذ تصبح مرضًا واكتئابًا يحسن التماس أسباب التداوي منه.
أما ما تذكر من البرق ونحوه وأن هذا علامة على دخول ملك الموت فلا نعلم أصلًا لشيء من ذلك؛ فإن الأصل أن ملك الموت لا يراه أحد، ولا يشعر بمقدمه إلا الميت عندما ينكشف عنه الغطاء.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: 56].