منع التبشير في البلاد الإسلامية

دار حوار بيني وبين زميل نصراني في العمل، فكان مما قاله: نحن هنا لا نمنع الدعوة إلى الإسلام في أي مكان، أما أنتم فتمنعون المبشرين من دعوتهم للمسيح في بلادكم، أليس هذا خطًا ومصادرةً للرأي وضيقًا بالآخرين. فعجزت عن الجواب وقلت له: أمهلني حتى أراجع أحد علمائنا.
فأرجو من فضيلتكم الإجابة على هذه الشبهة.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنَّ منْعَ التبشير في البلاد الإسلامية مردُّه إلى اختلاف طبيعة الإسلام عن المسيحية، فالإسلام يتميز بأنه دين ودولة، فلا يمكن أن تقف حكومات الدول الإسلامية محايدةً إزاء هذا الإسلام؛ لأنه مقوِّم من مقوِّمات الاجتماع والسياسة والتشريع والنظام، ومن ثمَّ فإن زعزعته هي زعزعة لمقوِّم من مقوِّمات المجتمع ونظامه، وليس هكذا حال الدين في المجتمعات العلمانية، وخاصةً في ظل النصرانية التي تَدَعُ ما لقيصر لقيصر، وتقف عند خلاص الروح ومملكة السماء؛ لأن إنجيلها ينص على أن مملكة المسيح عليه السلام  هي خارج هذا العالم، وهي لذلك قد خلت من السياسة والقانون.
ولهذا الفارق الجوهري، تنفرد المجتمعات الإسلامية بالنص في دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة، وتجعل منظومة القيم الدينية هي الآداب العامة التي تحميها الدولة والقانون، ومن ثم فإن هذه الدولة الإسلامية تحافظ على دينها هذا، فلا تفتح الأبواب أمام حرية زعزعته أو ازدرائه والخروج على ثوابته في الاعتقاد والأخلاق والتشريع.
إن الإخلاص للإسلام والدين، ومن ثمَّ حمايته، لا يَقِلَّان في الدول الإسلامية عن الإخلاص والحماية للوطن والولاء له، ومن ثمَّ تحريم وتجريم الخيانة له أو الخروج عليه أو التفريط فيه، وتلك خَصِيصة من خصائص المجتمعات الإسلامية؛ تفرِّق بينها وبين المجتمعات العلمانية واللادينية، التي تقف حكوماتها محايدة إزاء الدين، مطلق الدين.
ولقد رأينا مجتمعاتٍ غيرَ إسلامية اتخذت لنفسها عقيدةً فلسفيةً، مثل الماركسية في البلاد الاشتراكية والشيوعية، فحافظَتْ عليها كمقوِّم من مقوِّمات الاجتماع ونظام الحكم، ومنعت بالدساتير والقوانين التبشيرَ في مجتمعاتها بأية عقيدة مضادَّة لعقيدتها وفلسفتها.
ومن ناحية أخرى؛ فإن الدعوة إلى الإسلام تختلف عن الدعوة إلى اليهودية أو النصرانية؛ إنها دعوة لأهل الكتاب أن يُضِيفوا إلى إيمانهم بأنبيائهم إيمانَهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، أيْ دعوة لكي يصعدوا درجةً على سُلَّم النبوات والرسالات والكتب والشرائع التي توالى نزولهُا من الله الواحد إلى الإنسان، إنها دعوةٌ إلى إضافة قداسة مكة وحرمتها إلى قداسة القدس وحرمتها، وليست انتقاصًا من قداسة مقدَّسات الآخرين، بينما دعوة النصرانيِّ المسلمَ إلى النصرانية فيها دعوة إلى الكفر بدينٍ سماوي، والجحود بكتاب سماوي، والازدراء لرسول الإسلام وشريعته الخاتمة.
هذا؛ فضلًا عن الفارق بين الإمكانيات البشرية والتقنية والمادية المتاحة للمنصِّرين في بلادنا ومثيلاتها المتاحة للدعاة إلى الإسلام في بلادهم، إن وراء المنصرين جيشًا مدجَّجًا بالإمكانات الهائلة التي بلغت ميزانيتها 163 مليارًا من الدولارات، وبلغ دخل الكنائس العاملة في هذا الحقل هو 9320 مليار دولار! وهذا الجيش التنصيري يقوده معهد زويمر الذي أقيم سنة 1978م يمثِّل المخ والجهاز العصبي للحملة الأمريكية لتنصير المسلمين، وبهذا يكون التنصير قد خرج عن أن يكون مجرد دعوة إلى النصرانية ليصبح أداةً من أدوات الغزو الفكري والمسخ الحضاري، الذي يستعين على ذلك كلِّه حتى بالاستعمار وجيوشه وحكوماته.
فهل هناك ذرة من التوازن بين هذا الجيش الذي يمثل الكنيسة الأمريكية وحدها، وبين الأفراد المسلمين الذين يدعون إلى الإسلام؟! وهل يُرجح أن تُستنكر إجراءات الحماية التي تمنع التنصير الرسمي في البلاد الإسلامية المستضعفة إزاء هذا الاجتياح؟!
لعلك بهذه المقابلة تكون قد وقفتَ على بعض أوجُه الحكمة في منع التنصير في المجتمعات الإسلامية. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 نواقض الإيمان.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend