عندنا موضوع ونرجو تعليقاتكم وتصحيح الأخطاء إن كانت في الموضوع، والله المستعان على ذلك.
كما تعلمون نحن مسلمون والحمد لله، نعيش في إسبانيا مع أناسٍ من مختلف العقائد والأديان إلى آخره من الضلالات، باختصار لكي لا أُطيل عليك فالموضوع كالتَّالي: نسمع من علمائنا الـمُسلِمين أنهم يقولون: إن إطلاق اسم الكافر على من ارتكب شيئًا من الكفر، لا يستلزم تكفير المعين إلا بضوابط، ومن الأمور التي ذُكرت في الضَّوابط: رفع الجهل، رفع التَّأويل، إزالة الشُّبهة، ألا يكون مُكرَهًا.
وهذه الضَّوابط خاصَّة فقط بالـمُسلِمين، أما غير الـمُسلِمين مثل النصارى واليهود وحتى من الكُفَّار والمشركين الذين ليس عندهم كتابٌ يكفر بعينه من غير ضوابط، يعني من غير أن نُراعي وضعيَّته هل هو جاهل أو متأوِّلٌ أو عنده شبهات أو غيرها، هذا ما سمعناه من بعض الشُّيوخ، واستدلُّوا بقول الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] و{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة: 73]، وغيرها من الأدلة.
لكن هناك أدلة تبين أنه قد يُعذر قائلها إن لم يكن مقصرًا في طلب العِلْم والحقِّ، كقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15] وقال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]، أي: وأنذر من بلغه، وأما من لم يبلغه هذا القرآن فإن النذر لم يقم عليه، وقولـه تعالـى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44] ذَكَر اللهُ النَّاسَ، جمع الـمُسلِم وغير الـمُسلِم.
ونحن نلاحظ أن الجهلَ والشُّبُهات والتَّأويلات والإكراه توجد في الـمُسلِم وغير الـمُسلِم. ومن علمائنا الكبار من قال: لا تُنزل حكم الكفر على الـمُسلِم بعينه حتى تتوفَّر فيه الشُّروط الموجبة للتَّكْفير ولو سجد للقبور.
ويلاحظ أن السُّجود للقبور يُعادل تقريبًا في الخطر مع قول اليهود والنصارى فيما قالوا على الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا. ومع ذلك لا يحكم ولا يطلق اسم الكافر على الـمُسلِم بعينه حتى تتوفَّر فيه الشُّروط الموجبة للتَّكْفير.
لماذا غير الـمُسلِم يكفر بعينه من غير أن نُراعي فيه الشُّروط الموجبة للتَّكْفير والـمُسلِم لا يكفر بعينه حتى تتوفَّر فيه الشُّروط الموجبة للتَّكْفير؟ مع العِلْم أن كليهما يتعرَّضان للتَّأويل والشُّبُهات والجهل.
ونطلب من الله أن يبصرنا بعيوبنا ويعلمنا ما ينفعنا ونعوذ بالله من علم لا ينفع، وأن يوفقنا لإدراك الحقِّ بعقولنا وأفهامنا وجوارحنا، والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فخلاصة القول: أن كلَّ من لم يَدِن بدين الإسلام فهو كافر، سواء أكان كفره عنادًا أم جهلًا، فلا فرق في أصل الحكم بالكفر عليهم بين الجاهل والمتأوِّل والمعاند، ولكن أثر هذه العوارض قد يظهر بالنِّسبة لأحكام يوم القيامة، فإن من لم تبلغه الدَّعوة منهم أو بلغته بلاغًا مشوهًا فإنه يكون ممن يدلون على الله بحجَّة يوم القيامة، فيمتحنون في عَرَصات يوم القيامة، ويكون مآلهم بحسب ما يتمخَّض عنه هذا الامتحان، والله أعلم بما كانوا عاملين! فهو أمر يُفوَّض علمه إلى الله عز وجل ، ويَنْبَغي ألا يتدخَّل بين الله وعباده فيه!
فمن علم الله منه أنه لو بلغته نذارةٌ في الدُّنيا استجاب لها فإنه يوفق في هذا الاختبار؛ ولهذا فإننا لا نقطع لآحاد هؤلاء بجنة ولا نار، وإنما نقول في الجملة: إن الكافرين هم أصحاب النار، كما تقول في الجملة: إن الـمُسلِمين هم أصحاب الجنَّة، أما المعيَّن من هؤلاء وهؤلاء فعِلم ذلك إلى الله عز وجل ، اللَّهُمَّ إلا من جاء فيه نصٌّ بعينه يخبر بمآله في الآخرة. والله تعالى أعلى أعلم.