السؤال:
هل يجوز إظهار الحب والمودة لغير المسلمين والاشتراك في مناسباتهم التي تقام على أساس ديني؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن محبة أهل الدين محبة دينية لا تنفي ما تُنشئه القرابة والصلات الاجتماعية والمصالح البشرية من مودة ومحبة جِبِلِّية، ما لم يتضمن مشايعةً على باطل، أو انتقاصًا من حق، فلغير المسلمين في دار الإسلام أو خارجها البرُّ والقسطُ ما داموا من المسالمين، فتتراوح العلاقةُ بهم ما بين الفضل والعدل، لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8].
ولذوي الرحم منهم خاصةً حقوقُ الصلةِ والبرِّ الخاصة بذوي الأرحام، وللوالدين بصفة أخص- إن كانوا من غير المسلمين- واجبُ البر والمصاحبة بالمعروف في جميع الأحوال، وإن كانوا يجاهدوننا على الكفر بالله وعلى أن نشرك به ما لم ينزل به سلطانًا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} [لقمان: 15].
ولا يلزم لبذل هذه الحقوق أن يُظهر القوم لنا محبةً لشعائر ديننا أو شرائعه، فلكل أمةٍ شرعةٌ ومنهاجٌ، ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها، ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا، فلا نتوقع من غير المسلمين أن يذبحوا أضحيَّةً في عيدنا ليُظهروا لنا مودةً أو تسامحًا، ولا أن يصوموا معنا أيامًا من رمضان، ولا أن يحتفلوا معنا ببعض شعائر الدين، بل الأصل في هذا وأمثاله {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون: 6].
وفي المقابل لا يلزم لإظهار التسامح مع القوم أو القيام بواجب البر والقسط معهم أن نُشاركهم في طقوسهم الدينية أو في احتفالاتهم التعبُّدية، فهذا من خصوصيات الملل والنحل.
وللبر والقسط مجالات أُخرى، كالرفق بضعيفهم، والبذل لمحتاجهم، وعيادة مريضهم، وتعزية المصابين منهم، وتهنئتهم في الأمور الاجتماعية المشتركة كالزواج أو قدوم المولود ونحوه، والإحسان إلى جيراننا منهم، وإغاثتهم عند النوائب، وتألف قلوبهم جميعًا على سلوك طريق الهدى الذي تتحقق لهم به السعادة في الدنيا والآخرة.
وفي قرار مؤتمر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا حول نوازل الناشئة خارج ديار الإسلام، وفيما يتعلق بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية جاء فيه ما يلي:
حول تبادل التهنئة مع غير المسلمين:
الأصل هو البر والقسط في التعامل مع غير المسلمين، ومن ذلك تهنئتهم في الأمور الاجتماعية المشتركة كالزواج أو قدوم المولود ونحوه، أما الأعياد الدينية فالأصل أنها من خصوصيات الملل والنحل، فتبقى مختصة بأهلها.
ولا بأس عند رجحان المصلحة من مجاملة بكلمات عامَّة لا تتضمن انتهاكًا لهذه الخصوصيات، ولا تشتمل على إقرار لهم على دينهم أو رضًا بذلك.
والله تعالى أعلى وأعلم.