عمل إجراءات صورية لطالب دراسات عليا في أمريكا للحصول على تأمين صحي لابنه المحتاج إلى كلية

أرجو من فضيلتكم بيان حكم الدين في هذه المسألة الخاصة بي وبابني بعد الاطلاع على المقدمة
مقدمة:
رزقني الله بطفل اسمه عُمَر في شهر يوليو 2008، وقضى وقتًا طيبًا معنا طوال أول عامين ونصف من حياته، إلى أن فوجئنا بوجود مشكلة في المسالك البولية عنده في شهر أكتوبر 2010، وعلى ما يبدو أنه لم ينتبه الأطباء لوجود هذه المشكلة التي ولد بها، فقد كانت لديه مشكلة وجود صمامات غير ضامرة في مجري البول أدت- مع مرور أعوامه الأولى وعدم التنبه لها- لردِّ المجرى البولي للبول ناحية الكليتين مما أتلفهما عبر السنوات الثلاث الأُوَل من عمر ابني.
ظللنا في مصر بين المستشفيات والأطباء في العيادات والمستشفيات الخاصة والعامة في العديد من المحافظات شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا وقدَّر الله أن يقوم الأطباء بـ 4 جراحات لحل المشكلة، وأدوية وتحاليل وإشاعات إلى أن تدهورت الحالة في أوائل عام 2012 بصورة مطردة مما اضطرني للتواصل مع مستشفيات دولية حول العالم؛ حيث إن الأطباء كذلك رغبوا في عمل عملية بالمثانة لترقيعها بأجزاء من الأمعاء وهذا أرعبني.
وبفضل الله استجابت إحدى المستشفيات بولاية مينيسوتا وهي مايو كلينيك، وتقدمنا بطلب للزيارة وتمت الموافقة عليه ووصلنا يوم عيد الأضحي الماضي في أكتوبر 2012.
من أول يوم بالمستشفي- وعلى الفور- وجهوا ابني للعناية المركزة لأن السموم في دمه فاقت المعدلات وحياته في خطر، وفاجئونا بتقرير أنه لابد من زراعة كلية لتوقف الكليتين عن العمل بصورة تُوفِّر للجسد التنقية المطلوبة ليعيش على قيد الحياة بإرادة الباري سبحانه وتعالى.
وطلبوا منَّا قرابة ربع مليون دولار (وبعدها أدوية وفحوصات بقرابة 50 ألف دولار)، وبدءوا معه ديلزة دمه 3 مرات في الأسبوع حفاظًا على حياته، ولحين أخذ قرار فيما يخص زراعة الكلية.
طلبنا من المستشفي التخفيضَ لكن الطبيب هناك عارضنا ورفض أن نكمل فانتقلنا لمستشفي جامعة مينيسوتا بمنيابوليس، وتكفلت الولاية بسداد مبلغ الديلزة باعتباره أمر حياة والله الرحمن الرحيم.
في خضم الستة أشهر الماضية تم إنشاء موقع الكتروني لابني وتكفلت إحدى المؤسسات بتنظيم التبرع المالي لإتمام تكلفة العملية، والحمد لله وصلنا لمبلغ يقارب نصف المطلوب للعملية بفضل الله وكرمه ومنِّه. المبلغ المتبقي لإتمام العلاج بالكامل يزيد عن 150 ألف دولار وهو رقم كبير للغاية خصوصًا أنه تقريبًا كل ما يُمكِن عمله فيما يخصُّ التبرع قد تَمَّ، ووصلنا لحالة في السؤال- الله أعلم بها- تجعلنا لا ننتظر أو نطلب المزيد.
لماذا الإصرار على عمل العملية في أمريكا؟
1-عدم صلاحية التبرع المباشر منِّى أو من أم ابني له لعدم سماحية حالة زوجتي الصحية ولعدم توافقي مع ابني؛ مع العلم أنه توجد حلول أخرى في أمريكا مثل التبرع المزدوج (أتبرع أنا لطفل ووالده يتبرع لابني) ومتبرعين متطوعين وغيرها من الحلول.
2- مذلة وتخبُّط واستغلال وعدم دقة العلاج في مصر؛ بناءًا على تجربتنا الشخصية في عشرات المستشفيات في مصر.
3-اللجوء لشراء كلية في مصر وهو أمر محرَّم شرعًا وخاضع لقوانين غير معلنة فيما يخص التعامل مع الراغبين في التبرع لحاجتهم المادية وطبقًا للتفاوض المحرم على سعر الكلية.
4- المستوى الطبي الممتاز والمعاملة الآدمية الكريمة بالمقارنة بنظيرهما في مصر.
وعليه فإننا نحاول جاهدين لإكمال العلاج هنا والله الشافي سبحانه.
المسألة الأولى:
هناك حلٌّ بعون الله وهدايته لهذه الإشكالية بطريقة من ثلاث؛ وهم مرتَّبُون طبقًا لمدى إتاحيَّتِهم وفاعليتهم ومناسبتهم.
الأولى: والتي هي محلُّ المسألة:
تحويل التأشيرة الخاصة بي لتأشيرة طالب والالتحاق بالجامعة في برامج الدراسات العُليا؛ عن طريق أخذ جزء من المبلغ المتاح معنا والذي تمَّ تجميعُه لصالح ابني، ومنه نأكل ونشرب بفضل الله، ووقت اعتمادي كطالب، فإن شركات التأمين ستقبل التأمين عليَّ وعلى ابني لزامًا عليها، ومن هنا يبدأ الاعتماد المالي التأميني في التكفل بمصروفات علاج ابني كاملة بإذن الله تعالى. مع العلم أنه من يتمُّ زرعُ كلية له لابد من أخذ أدوية يوميًّا تتكلف قرابة 3000 دولار شهريًّا، وهذا سيدخل في التأمين، كذلك فلن نحتاج كل 6 شهور لتجديد التأشيرة، مثل الوضع القائم الآن، حيث أننا ننتظر تجديدها من شهر ولم يتمَّ الردُّ بعد، ويمكن لأسرتي أن تخرج وتدخل أمريكا للمتابعة في أي وقت طيلة السنوات الأولى بعد زراعة الكلية.
فهل يحقُّ لي فعل ذلك؟ وإذا كان يحقُّ لي، فهل يجب علي استئذان المتبرعين والمتصدقين؟ علمًا بأنهم يزيدون على الـ 500 فرد حول العالم، وبعضهم لا أعرفه ولا أستطيع الوصول إليه مرة أخرى؟
أم هل يحقُّ لي أن آخذ من هذه النقود على سبيل الأمانة وأقوم بردِّها عند الاستطاعة؟ وإن لم أستطع ردَّها لعدم القدرة المالية في حالة العودة لمصر واستكمال العمل فهل عليَّ من حرج؟
المسألة الثانية:
قبول أحد المؤسسات بتشغيلي كمهندس اتصالات؛ فهذه شهادتي وخبرتي لأكثر من 11 عامًا، أو كإمام مسجد لعملي محفظًا للقرآن الكريم لمدة تزيد على الخمس سنوات بفضل الله.
ووقتها سأحصل على بطاقة إقامة ويدخل ابني في التأمين الطبي الشامل بإذن الله؛ لكني لم أجد إلى الآن تلك المؤسسة التي تقبل تشغيلي والسعي في إتمام إجراءاتي، على الرغم من سعيِي وتقدمي لعدد من المؤسسات داخل أمريكا طيلةَ الشهور الست الماضية.
المسألة الثالثة:
إكمال رحلة تجميع الأموال، أكثرُ من 150 ألف دولار متبَقٍّ، وهو الأمر الأصعب، حيث إنه غيرُ معلوم المدة وأن أغلب معارفنا ومعارفهم قد فعلوا ما يزيد عن المتوقع من تصدق وتبرع؛ جزاهم الله خيرًا، كما أنني في إجازة من عملي بمصر ولا دخل لي، وتعبت نفسي من عرض الأمر على الناس، فهذا يُعرض وهذا يُعطي وهذا يُشكِّك… إلخ, كما أن ابني بحاجة للانفصال عن المستشفى التي يذهب إليها 3 مرات أسبوعيًّا كل مرة 4 ساعات ليعيش كطفل ويذهب للمدرسة.
علمًا بأن حالة ابني الصحية مستقرَّة نسبيًّا هذه الأيام بفضل الله، ولكن على مدار الشهور الست التي خلت فإنه أتت عليه أيام عانى فيها أشدَّ المعاناة، وأتت أيام اضطربت فيها بعض العناصر على حساب الأخرى، فلقد أصابته عدوى في القسطرة الدموية التي يخرج ويدخل منه الدم لتتم ديلزته مرة من 3 شهور، ومرة أخرى توقفت القسطرة عن العمل مما أدى إلي إجراء 3 عمليات إلى الآن لتثبيت قسطرة آمنة له، وغير مفضل له أن يظل في ديلزة دمه لفترات طويلة خصوصًا أن معدلات نموه أقل من الطبيعي هذه الأيام، وهو بحاجة ماسَّة لكلية تعمل ليعيش حياة مستقرة لا مرتبطة يوميًّا بمستشفى وأجهزة وأدوية.
أشكر لكم سعة صدركم في قراءة المسألة وأسأل الله أن أجد إجابة شافيةً عندكم بتوفيق ومنٍّ من الله العلي الرقيب المجيب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدا بالضراعة إلى الله جل وعلا أن يمسَح على ولدِك بيمينه الشافية، وأن يجمع لكم جميعًا بين الأجر والعافية، وأن يجزل لك المثوبة على صبرك واحتسابك، اللهم آمين.
أما من حيث الحلول التي اقترحت فلا يخفى أننا أمام ضرورة تتعلق بحفظِ النفس، وأمامها يشرع الترخص فيما يلزم لدفعها من المحظورات، على أن يقدر ذلك بقدره، وأن لا يتوسع فيه عمَّا يلزم لدفعها، كما قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 145].
لا أرى حرجًا في اللجوء إلى الحلِّ الأول، إن كان أرجى هذه الحلول لتحصيل المقصود من الناحية العمليَّة، وأوصلها لتحقيقه، فإن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وللوسائل حُكمُ المقاصد حِلًّا وحرمةً، وقد يجوز إتلاف بعض المال للإبقاء على أصله، فضلًا عن أن القيِّمَ على مال القاصر يكون له الحق في أن يأكل بالمعروف إن كان فقيرًا، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 6]، وقول عمر بن الخطاب: أنا ومالكم كوليِّ اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف(1). وأخيرًا لحديث: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(2).
إلا أنني أؤكد على أن المقصود ليس هو أن تتمتع بميزة الدراسات العليا على حساب هذا القاصر المبتلى؛ وإنما لكون هذا الحل قد تعيَّن باعتباره أقصر الطرق لإغاثته، وإخراجه من محنته وتفريج كربته.
كما أؤكد على ضرورة الرجوع إلى المتخصصين من القانونيين والعاملين في مجال التأمين، لأن مبلغَ علمي أن جهات التأمين تدقق كثيرًا في الحالات المرضية السابقة على عقد التأمين، وتضع قيودًا شديدة وعراقيل كثيرة دون شمولها بعقد التأمين، فيرجى التأكد من هذه النقطة قبل الدخول في هذا الحل، حتى لا نتخوض في هذا المال ثم نكتشف أن ذلك كان في غير طائل.
ثم أرى أن يستمر بحثُك عن فرصة عمل مناسبة، فلعل الله أن يكرمك بها، فيغنيك ربُّك بها عن الدخول في الحلِّ الأول، الذي يَحِيك في صدرك منه بعض التأثم أو التحرج، فإن وفقت إليه فهو أروح لك، وأبرأ لذمتك من الأول، وإن لم يتيسر فلا حرجَ كما ذكرتُ في اللجوء إلى الحلِّ الأول، بعد التدقيق في مدى صلاحيته حلًّا لنازلة ابنك شفاه الله وعافاه. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (6/4) حديث (10783).

(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «ما للرجل من مال ولده» حديث (2291) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (3/ 37) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend