محررو موقعٍ شبابيٍّ ليبي كبير طلبوا مني أن أضع لهم ضوابط يعرفون من خلالها ما يجب أن يُنشر وما لا يجب أن ينشر في موقعهم.
وحتى أُوضِّح هذه المسألة: هناك مَن يُرسل رسائل يُشبِّه فيها بعضَ القُرَّاء بالكلاب مثلًا والعياذ بالله، وهناك من يتهكَّم على الدِّين وهو يزعم أنه يمارس حرية الرَّأي.
فما هي الضَّوابط مقرونة بالإدلة الشَّرعية التي من خلالها يستطيعون أن يوظفوا موقعهم في خدمة دينهم دونما إخلالٍ ببعض الثَّوابت الدِّينيَّة، أو المساس بمبدأ الحرية عمومًا.
والذي جعلهم يطلبون مني هذا أنني كتبتُ مقالًا أشرتُ فيه إلى أهمِّيَّة وجود ضوابط، فلذلك طلبوا مني كتابتها، وأنا لستُ في وضعٍ علمي يُخوِّلني الكتابة في هذا الميدان. جزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن الكلمة أمانةٌ، وقد أحسنتَ إذ نصحت لهم بأن يتَّقوا الله فيما يكتبون
|
|
وجماع القول في هذه الضوابط أن يعلموا أنهم موقوفون ومسئولون، فالكلمة التي تتضمن لمزًا في الآخرين ووقوعًا في أعراضهم، أو سخريَّة منهم واستهزاءً بهم لا تحلُّ(1)، والكلمة التي تتضمن مساسًا بالشَّريعة وعدوانًا على ثوابتها وحرماتها لا تحلُّ(2)، والكلمة التي تنشر بدعةً أو تروِّج لضلالة لا تحلُّ، والنقد الذي نمارسه مع الآخرين ينبغي أن يكون بالمعروف، ولا ينبغي أن يكون نَهيُنا عن المنكر بالمنكر، وحرية الفكر لا تعني حرية الكفر أو حرية إضلال الآخرين وفتنتهم.
وأن يعلموا أن مَن دعا إلى ضلالة أو سنَّ سنةً سيئة فعليه وزرُها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا، كما أن مَن دعا إلى هدًى، أو سنَّ سنة حسنةً فله أجرُها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئًا.
وإن أشكل عليهم أمرٌ في قضية بعينها فليكتبوا إلينا أو إليك ثم تحول سؤالهم علينا، ونحن دائمًا في خدمة المحبِّين لدين الله والحريصين على الوقوف عند حدوده. ونسأل الله التَّوفيق للجميع، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 11- 12].
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» حديث (10) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: «الْـمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْـمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ».
وأخرج مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه» حديث (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا، الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا- ويشير إلى صدره، ثلاث مرات- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْـمُسْلِمَ، كُلُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأخرج الترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2506) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».
وأخرج أيضًا الترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في حسن الخلق» حديث (2004)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر الذنوب» حديث (4246) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي ﷺ: ما أكثرُ ما يُدخل الجنة؟ قال: «التَّقْوَى وَحُسْنُ الْـخُلُقِ». وسُئل: ما أكثرُ ما يُدخل النار؟ قال: «الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ»، وقال الترمذي: «حديث صحيح».
(2) قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
وأخرج أحمد في «مسنده» (2/159) حديث (6487)، وابن حبان في «صحيحه» (11/579) حديث (5176) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . أن رسول الله ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ الله لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ…».