دخول الجني في بدن الإنسان

عن زينب امرأة عبد الله بن مسعودٍ، عن عبد الله قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ». قالت: قلتُ: لِمَ تقول هذا، والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهوديِّ يرقيني، فإذا رقاني سكنت. فقال عبد الله: إنما ذاك عملُ الشَّيطان، كان ينخسها بيده… إلخ الحديث(1).
السُّؤال هو: هل كانت زوجةَ الصحابيِّ بها مسٌّ؟ ومن هو الشَّيطان هنا؟ أليس ممكنٌ أن يكونَ هذا من فِعل القرين الذي يكون مع كلِّ إنسيٍّ، والدَّليل على ذلك في الاستحاضة، حيث سمَّاه النبيُّ عليه الصلاة والسَّلام رَكْضة الشَّيطان(2)، ولم يأمر برُقية المصابات؟

_____________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/381) حديث (3615)، وأبو داود في كتاب «الطب» باب «في تعليق التمائم» حديث (3883)، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «تعليق التمائم» حديث (3530)، والحاكم في «مستدركه» (4/241) حديث (7505)، عن زينب امرأة عبد الله، عن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ». قالت: قلت: لِـمَ تقول هذا؛ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلانٍ اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيكِ أن تقولي كما كان رسول الله ﷺ يقول: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

( 2) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة» حديث (287)، والترمذي في كتاب «أبواب الطهارة» باب «ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد» حديث (128) من حديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أُستحاض حيضةً كثيرةً شديدة فأتيتُ رسول الله ﷺ أستفتيه وأُخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني امرأة أُستحاض حيضةً كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم؟ فقال: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ». قالت: هو أكثر من ذلك! قال: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا». فقالت هو أكثر من ذلك، إنما أَثُجُّ ثجًّا! قال رسول الله ﷺ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ». قال لها: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ الله، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُؤَخِّرِينَ الْـمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ- فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذَلِكَ». قال رسول الله ﷺ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ!» وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
لم يتبيَّن لي مقصودُك من سؤالك على وجه التحديد، أتُريد أن تنفيَ قضيةَ المسِّ وتقول ما يقوله بعضُ مَن مسَّه طائفٌ من الاعتزال: إن هذا ليس من الممكنات، ولا من المعقولات. إن كان هذا هو الذي ترمي إليه فقد أخطأتَ؛ فإن دخولَ الجِنِّيِّ في بدن الإنسان ثابتٌ باتِّفاق أئمة أهل السُّنة والجماعة، ومِن الأدِلَّة على ذلك:
قولُه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275].
ما جاء في الصَّحيح من قوله ﷺ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»(1). وقد استدلَّ بهذا الحديثِ الأكابرُ من العلماء على إمكانية دخول الجانِّ جسدَ الإنسان، وأن الحديثَ على ظاهره، وممن قال بذلك القرطبيُّ، وابن تيميَّة، والبقاعي، والقاسمي، وغيرهم كثير.
ما صحَّ عن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال: شكوتُ إلى رسول الله ﷺ نسيانَ القرآن، فضرب على صدري بيده فقال: «يَا شَيْطَانُ، اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَانَ». فعل ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ(2).
أما إن كنت تُقلِّب النَّظَر في الاحتمالات المختلفة في فَهْم هذه الواقعة، فما ذكرته محتملٌ، وليس هناك دليلٌ يُقطَع بإثباته أو بنَفْيه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «بدء الخلق» باب «صفة إبليس وجنوده» حديث (3281)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «بيان أنه يستحب لمن رئي خاليًا بامرأة وكانت زوجته أو محرمًا له أن يقول: هذه فلانة. ليدفع ظن السوء به» حديث (2175)، من حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي.

(2) أخرجه الحارث في «مسنده» (2/932) حديث (1028)، والطبراني في «الكبير» (9/47) حديث (8347)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (5/308). وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/3) وقال: «رواه الطبراني وفيه عثمان بن بسر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 نواقض الإيمان., 14 متنوعات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend