يا شيخنا هل هناك اي حرج شرعي في التأمين او بعض انواعه وتحديدا التأمين الصحي والتأمين علي السيارات
الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن التأمين من النوازل التي تحدث فيها أهل الفتوى من المعاصرين سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى دور الإفتاء والمجامع الفقهية، وهو أنواع شتى: منها ما يحل ومنها ما يحرم، ومنها ما هو في محل الاجتهاد،
الأصل في فكرة التأمين في ذاتها أنها فكرة نبيلة لقيامها على الإرفاق والتكافل والمواساة، وهي بهذا المعنى وفي هذا الإطار من القيم الإسلامية الأصيلة إذا تقيد التأمين في نظامه وعقوده واستثمار أمواله بأحكام الشريعة، ولا يبعد القول أن القيام به في هذا الإطار، وفي ظل ما طرأ من مستجدات قد صار من جملة فروض الكفايات.
تتنوع نظم وعقود التأمين في واقعنا المعاصر إلى عقود تأمين تجارية وأخرى اجتماعية أو تكافلية، ولكل حكمه.
الأصل في عقود التأمين التجاري الذي تنظمه قوانين التأمين التجاري وتمارسه شركاته [بحيث تكون الشركة طرفًا أصيلاً فيه يلتزم بدفع مبلغ التأمين في حالة وقوع الخطر المؤمن منه في مقابل قيام المستأمن بدفع أقساط محددة طوال فترة التأمين] أنها من العقود الفاسدة والمحرمة بسبب ما شابها من الغرر والجهالة وغير ذلك من أسباب الفساد، وأنه لا يباح منها إلا ما تلزم به القوانين أو تلجئ إليه الحاجات العامة التي تنزل منزلة الضرورات، وأن العمل في مجال تسويق هذه العقود أو الإعانة عليها لا يحل إلا عند الضرورات أو الحاجات العامة التي تنزل منزلتها، وعلى من ألجأته حاجته إلى العمل في هذه المجالات أن يستصحب نية التحول عن هذا العمل عند أول القدرة على ذلك.
أما التأمين الاجتماعي الذي لا يقصد به الربح، بل الرعاية الاجتماعية أو الصحية للمستفيدين منه، وتتولاه – عادة – الدول والشركات والمؤسسات العامة، وذلك باستقطاع حصة من راتب الموظف مع حصة من المؤمن أو بدونها طوال مدة عمله فهو مشروع، ولهذا يجوز الانتفاع به والعمل في المؤسسات التي تقوم عليه تأسيسًا أو تسويقًا لقيامه في الجملة على فكرة مشروعة، مع تجنب ما يغشى تطبيقه من أعمال غير مشروعة كالاستثمارات الربوية ونحوها.
أما التأمين الإسلامي (ويشبهه في بعض خصائصه التأمين التكافلي، أو التعاوني) ويقوم على التبرع والتعاون وبذل المنافع، ويكون دور الشركة فيه هو دور الوكيل في إدارة عمليات التأمين والمضارب في استثمار أمواله، فهو من العقود المشروعة، فيجوز الانتفاع به والعمل في مؤسساته، إذا التزمت بقية الضوابط الشرعية في استثمار أموال التأمين.
ما سبق كان هو خلاصة قرار مجمع فقهاء لشريعة بامريكا حول التامين والعمل في شركاته في دورة انعقاد مؤتمره الخامس بالبحرين عام 2007 ، ولما كان سؤالك حول التامين التجاري لأنه هو الشائع وهو المتاح في الاعم الأغلب، فهو من العقود الفاسدة لما يشوبه من الغرر الفاحش، لأن كل طرف لا يعلم سلفا ما الذي ياخذه وما الذي يبذله، فقد تدفع قسطا أو قسطين ويقع الكارثة المؤمن ضدها فيستحق مبلغ التامين كاملا، وقد تمر السنوات تلو السنوات ويعافيك الله عز وجل فتدفع اقساط التامين ولا تستحق شيئا بالكلية، فهذا هو الغرر الفاحش الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكن يرخص من ذلك فيما الزمت به القوانين كتامين السيارات لانك لا تتمكن من ركوب سيارة إلا بالتأمين، وما تدعو إليه الحاجة العامة كالتأمين الطبي الذي لا يتسنى العلاج إلا من خلاله في كثير من المواقع لارتفاع تكلفة العلاج الطبي خارج إطار التأمين، ويقاس عليه كل تامين اشتدت الحاجة إليه، كما يستثنى كذلك التامين التابع كشراء ضمان على الاجهزة بعد شرائها ويكون هذا تابعا لعقد شراء السلعة لنفسها، وليس تامينا مستقلا تتولاه جهة مستقلة، هذه خلاصة القول في رخص التأمين، ووجه هذه الاستئناءات أن التامين حرم للغرر وما حرم للغرر يجوز الترحص فيه للحاجة، بخلاف الربا فإنه لا يترخص فيه إلا تحت وطأة الضرورات، والله تعالى أعلى وأعلم