ما حُكم جمع الأُسَر والعَوائِل في المناسبات الدينية أو الاجتماعية لغير المسلمين، وإقامة أنشطة لهم تستوعبهم عن التطلع إلى المشاركة في هذه المناسبات الخاصة بغيرهم؟ وهل يُعد تنظيمُ برامج تربويَّة أو دعوية أو شعائرية خاصة في هذه المناسبات كالصيام وقيام الليل من جنس البدع المحدثة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا قصدٌ حسن، وينبغي أن نحرص في مثل هذا المناسبات على شغل ناشئتنا بأنشطة نافعة، وتحصينهم من الوقوع في هذه المزالق.
ولكن ينبغي أن يراعَى في ذلك عدمُ التقيد بشعائر معينة، خروجًا من شبهة باب البدع الإضافية، وإنما تتنوع البرامج، ولا تمضي على وتيرةٍ واحدة، ذلك أن كلَّ جزئية من الدليل العام لم يجرِ عليها عملُ السلف فإن اعتياد الأخذ بها بدعة إضافية.
وينبغي التفريقُ في هذا الباب بين التراتيب الإدارية التي يرادُ بها استثمار الوقت المتاح في أعمال الخير والتخصيصات التعبُّدية التي تكون لاعتقاد أفضليةٍ في الزمان المعين أو المكان المعين، فمجرَّد الاعتياد على عملٍ معين وتنظيمه بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان والارتباطات الحياتية لا يعدُّ في ذاته من جنس الابتداع.
فاعتيادُ المساجد على استثمار يومَيِ السبت والأحد لإقامة مدارس نهاية الأسبوع للأطفال لتحفيظهم القرآن، أو لإقامة الأنشطة الدينية للجاليات الإسلامية، لا يقال إن هذا من البدع الإضافية لتخصيص التعبُّد بزمان دون زمان، فإن مثل هذا لا يراد لخصوصية في ذلك الزمان، وإنما هو أمر رُتِّب حسب ظروف المغتربين وبرامجهم الحياتية، وقلَّ مثل ذلك في ترتيب الفصول الدراسية في الجامعات والمعاهد الإسلامية وتنظيم الجداول فيها على نحو معين، وفي ترتيب حفلات للخريجين ونحوه.
إن صيامَ التطوع مستحبٌّ على مدار العام، فيما عدا ما ورد النصُّ بالنهي عنه، كإفراد يوم الجمعة بصيامٍ أو يوم السبت بصيام(1)، ولكن اعتياد تخصيص أيام أعياد الميلاد (الكريسماس) بصيام، أو تخصيص لياليها بقيام باعتباره في ذاته سُنة يدخل في باب البدع الإضافية، أما إذا وقع ذلك اتفاقًا أو عرضًا بغير تخصيصٍ ولا اعتياد وتكرار فلا حرج؛ لعموم أدلة الندب إلى التهجُّد وصيام التطوع. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود في كتاب «الصوم» باب «النهي أن يخص يوم السبت بصوم» حديث (2421)، والترمذي في كتاب «الصوم» باب «ما جاء في صوم يوم السبت» حديث (744) من حديث الصماء بنت بسر رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ الله عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ». وقال الترمذي: «هذا حديث حسن، ومعنى كراهته في هذا أن يخصُّ الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت».