أشكو من الهالات السوداء حول العينين كثيرًا، وقد قدم طب التَّجميل بعض الحلول، كالليزر. وأتساءل إن جاز اللجوء لطب التَّجميل في هذه الحالة، هل يُعتبر إزالة تلك الهالات السوداء تغييرًا لخلق الله؟ جزاكم اللهُ ألف خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللهَ جلَّ وعلا قد خلق الإنسان في أحسن تقويمٍ(1)، فكلُّ ما يخرج عن الوضع الأصليِّ للخلقة ويُعَدُّ من قبيل العيب أو التشوُّه ويجوز معالجته لإزالته فإن هذا ليس تغييرًا لخلق الله، بل إزالة لدمامةٍ أو تشوُّه طارئ حتى يعود الوضع إلى أصل الخلقة التي خلقها الله عز وجل .
وعلى هذا فلا يظهر لي حرجٌ في إزالة هذه الهالات السوداء بما لا يُسبِّب مضرَّة أكبر، وتحقيقًا لمزيد من الفائدة أسوق لك نصَّ قرار المجمع الفقهي حول الجراحات التَّجميليَّة وأحكامها، واللهُ تعالى أعلى وأعلم:
مجمع الفقه الإسلامي، منظمة المؤتمر الإسلامي، قرار رقم 173 (11/18) بشأن الجراحة التَّجميليَّة وأحكامها:
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمدٍ خاتم النَّبيِّين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الـمنعقد في دورته الثَّامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 9- 14 تموز (يوليو) 2007م، بعد اطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الجراحة التَّجميليَّة وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حوله قرَّر ما يلي:
أوَّلًا: تعريف جراحة التَّجميل: جراحة التَّجميل هي تلك الجراحة التي تُعنى بتحسين وتعديل شكل جزءٍ أو أجزاء من الجسم البشريِّ الظاهرة، أو إعادة وظيفته إذا طرأ عليه خلل مؤثر.
ثانيًا: الضَّوابط والشُّروط العامَّة لإجراء عمليَّات جراحة التَّجميل:
1- أن تُحقِّق الجراحة مصلحةً معتبرة شرعًا، كإعادة الوظيفة وإصلاح العيب وإعادة الخلقة إلى أصلها.
2- ألا يترتَّب على الجراحة ضررٌ يربو على المصلحة المرتجاة من الجراحة، ويُقرِّر هذا الأمر أهل الاختصاص الثقات.
3- أن يقوم طبيب (طبيبة) مختصٌّ مؤهل؛ وإلا ترتبت مسئوليته (حسب قرار المجمع 142 (8-15).
4- أن يكونَ العمل الجراحي بإذن المريض (طالب الجراحة).
5- أن يلتزم الطبيب (المختص) بالتبصير الواعي لمن سيجري العمليَّة بالأخطار والمضاعفات المتوقَّعة والمحتملة من جراء تلك العمليَّة.
6- ألا يكون هناك طريقٌ آخر للعلاج أقل تأثيرًا ومساسًا بالجسم من الجراحة.
7- ألا يترتَّب عليها مخالفةٌ للنصوص الشَّرْعيَّة، وذلك مثل قوله ﷺ في حديث عبد الله بن مسعود: «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والْـمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالـمُتَنَمِّصَاتِ وَالمتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الـمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله»(2)، وحديث ابن عباس قال: «لُعِنت الواصلةُ والمستوصلةُ والنامصةُ والمتنمصةُ والواشمةُ والمستوشمةُ من غير داء»(3). ولنَهْيه ﷺ عن تشبُّه النِّساء بالرِّجال والرِّجال بالنِّساء(4)، وكذلك نصوص النَّهْي عن التَّشبُّه بالأقوام الأخرى(5)، أو أهل الفجور والمعاصي(6).
8- أن تُراعى فيها قواعدُ التَّداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة وأحكام كشف العورات وغيرها، إلا لضرورةٍ أو حاجة داعية.
ثالثًا: الأحكام الشَّرْعيَّة:
1- يجوز شرعًا إجراء الجراحة التَّجميليَّة الضَّروريَّة والحاجيَّة التي يُقصد منها:
أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خُلق الإنسان عليها؛ لقوله سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
ج- إصلاح العيوب الخلقيَّة، مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية)، واعوجاج الأنف الشَّديد، والوحمات، والزَّائد من الأصابع والأسنان، والتصاق الأصابع إذا أدَّى وجودها إلى أذًى مادِّيٍّ أو معنويٍّ مؤثر.
د- إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًّا حالة استئصاله، أو جزئيًّا إذا كان حجمه من الكبر أو الصِّغَر بحيث يُؤدِّي إلى حالة مرضيَّة، وزراعة الشعر في حالة سقوطه خاصَّة للمرأة.
هـ- إزالة دمامةٍ تُسبِّب للشخص أذًى نفسيًّا أو عضويًّا (قرار المجمع) 26 (1/4).
2- لا يجوز إجراء جراحة التَّجميل التحسينيَّة التي لا تدخل في العلاج الطبيِّ، ويُقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعًا للهوى والرغبات بالتَّقْليد للآخرين، مثل عمليَّات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معينٍ، أو بقصد التَّدْليس وتضليل العدالة، وتغيير شكل الأنف، وتكبير أو تصغير الشفاة، وتغيير شكل العينين، وتكبير الوجنات.
3- يجوز تقليل الوزن (التخفيف) بالوسائل العلميَّة المعتمدة، ومنها الجراحة (شفط الدهون) إذا كان الوزن يُشكِّل حالة مرضيَّة ولم تكن هناك وسيلة غير الجراحة، بشرط أمن الضرر.
4- لا يجوز إزالة التَّجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضيَّة، شريطة أمن الضرر.
5- يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزَّق بسبب حادثٍ أو اغتصابٍ أو إكراه، ولا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزق بسبب الفاحشة، سدًّا لذريعة الفساد والتَّدْليس. والأولى أن يتولَّى ذلك الطبيبات.
6- على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشَّرْعيَّة في أعماله الطِّبِّيَّة، وأن ينصح لطالبي جراحة التَّجميل، فالدِّين النَّصيحة(7). ويُوصى بما يأتي:
1- على المستشفيات والعيادات الخاصَّة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى، وعدم إجراء ما يَحْرُم من هذه الجراحات.
2- على الأطباء والجراحين التَّفقُّه في أحكام الممارسة الطِّبِّيَّة، خاصَّة ما يتعلَّق بجراحة التَّجميل، وألا ينساقوا لإجرائها لِـمُجرَّد الكسب الماديِّ، دون التَّحقُّق من حكمها الشَّرعي، وألا يلجئوا إلى شيءٍ من الدِّعايات التَّسْويقيَّة المخالفة للحقِّائق. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «وما آتاكم الرسول فخذوه» حديث (4886)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة» حديث (2125).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «في صلة الشعر» حديث (4170)، وقال: «وتفسير الواصلة التي تصلُ الشَّعرَ بشعر النساء، والمستوصلة المعمول بها، والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه، والمتنمصة المعمول بها، والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد، والمستوشمة المعمول بها»، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (2101).
(4) فقد أخرج البخاري في كتاب «اللباس» باب «المتشبهون بالنساء» حديث (5885) من حديث ابن عباس ب قال: لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.
(5) فمنها أمرُه ﷺ تغيير الشيب مخالفة لليهود؛ فقد أخرج البخاري في كتاب «اللباس» باب «الخضاب» حديث (5899)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «في مخالفة اليهود في الصبغ» حديث (2103) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». والترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في الخضاب» حديث (1752) بلفظ: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وقال: «حسن صحيح».
ومنها أمره بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب مخالفة للمشركين والمجوس، ففي الحديث المتفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (259) من حديث ابن عمر ب أن النبي ﷺ قال: «خَالِفُوا المشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». وأخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (260) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْـمَجُوسَ».
ومنها أمره بالسحور وتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب، فقد أخرج أبو داود في كتاب «الصوم» باب «ما يستحب من تعجيل الفطر» حديث (2353) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (1995).
(6) سبق ذكره وتخريجه 4031.
(7) فقد أخرج مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أن الدين النصيحة» حديث (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه ، أن النبي ﷺ قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قلنا: لمن؟ قال: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْـمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».