تصرف مسئول الأمن مع السراق عند الإمساك بهم

أعمل مسئولَ أمنٍ، فهل يجوز أن أُسلِّم السارق لصاحب العمل مباشرة؛ لأن أحدهم قال لي: انصح السارق أولًا. قلت له: أنا مسئول عن هذه الحالات، لابد أن أسلمه. فما رأي فضيلتكم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن كان العقد بينك وبين رب العمل يقتضي أن تسلمه السُّراق فلا بديل لك من ذلك، فإن المسلمين على شروطهم وعقودهم، إلا شرطًا أو عقدًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا(1)، وإن كان العقد لا يقتضي ذلك، بل هو على مجرد الحراسة ومنع السرقات، فإن الأمر في ذلك واسع.
وعلى كلِّ حالٍ لستَ في دولة الإسلام التي تُقيم الحدود على السُّرَّاق، ولستَ القاضي الذي يُخاطَب بمثل قوله ﷺ: «تَعَافَوُا الْـحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي من حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ»(2).
فلسنا أمام إقامة حدٍّ وقد تعطَّلتِ الحدود! ولسنا أمام قاضٍ شرعي يُقيم هذه الحدود فلا تجوز الشفاعة أمامه، بل مجرد حارسٍ وظيفته منع السرقات، ومما يدلُّ على التوسع مع الحراس بما يرونه مُحقِّقًا للمصلحة حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: وكَّلني رسول الله ﷺ بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذتُه وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ. قال: إني محتاجٌ وعليَّ عيال، ولي حاجةٌ شديدة. قال: فخلَّيتُ عنه، فأصبحتُ فقال النبيُّ ﷺ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟» قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله. قال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ». فعرفتُ أنه سيعود لقول رسول الله ﷺ «إِنَّهُ سَيَعُودُ»، فرصدتُه فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ. قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمتُه فخليتُ سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله ﷺ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله. قال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ». فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذه آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أُعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها. قلت: ما هي؟ قال: إذا أَوَيْتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تُصبح. فخليتُ سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله ﷺ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟» قلت: يا رسول الله، زعم أنه يُعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها فخليت سبيله. قال: «مَا هِيَ؟»، قلت: قال لي: إذا أَوَيْت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح- وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير- فقال النبي ﷺ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟». قال: لا. قال: «ذَاكَ شَيْطَانٌ»(3).
فأنت ترى أن أبا هريرة في هذا الحديث أطلق سراح أسيره الذي جاء يسرق من طعام الصدقة بعد أن غلب على ظنِّه فقرُه وتوبته، وأقرَّه النبي ﷺ على ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما ذكر عن رسول الله ﷺ في الصلح» حديث (1352) من حديث عمرو بن عوف بن زيد رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْـمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْـمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (1352).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الحدود» باب «العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان» حديث (4376)، والنسائي في كتاب «قطع السارق» باب «ما يكون حرزًا وما لا يكون» حديث (4886)، والحاكم في «مستدركه» (4/424) حديث (8156). من حديث عبد الله بن عمرٍو ب. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

(3) أخرجه البخاري في كتاب «الوكالة» باب «إذا وكل رجلًا» حديث (2311).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   10 الوظائف والأعمال

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend