قضية التأمينات التجارية بعض العلماء أجاز التَّعامل بها والعملَ في مؤسَّساتها، فهل يصحُّ الأخذ بقولهم؟ وفي حالة ما إذا كان الإجماع على الحرمة، فهل الضَّرورة تُبيح لنا العمل في هذه المؤسَّسات؟ وما قدرها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن الأصلَ في عقود التَّأمين التجاريِّ الفسادُ والحرمة؛ لاشتمالها على الغرر الفاحش، واشتمال بعضها على الرِّبا، ولم يُرخِّص السواد الأعظم من أهل العلم في شيء من ذلك إلا ما تُمليه الضرورة، كالتَّأمينات التي تلزم بها القوانين ولا يتسنَّى الحصول على الخدمات الأساسية إلا من خلالها، كالتَّأمين الإجباري على السيارات مثلًا، ومما رخَّصوا فيه كذلك التَّأمين الذي تشتدُّ الحاجة إليه وتعمُّ وإن لم تبلغ مبلغ الضرورة، كالتَّأمين على المدارس في الغرب وبعض المراكز التي يكثر ارتيادها ويتوقَّع حصول أضرارٍ لبعض روَّادها، وتضرُّر هذه المؤسسات مما يرفع عليها من قضايا تعويضٍ لا قبل لها بها ونحوه.
والخلاصة أن ما ألجأت إليه الضَّرورة أو مسَّت إليه الحاجةُ أرجو أن يكون في دائرة الرُّخصة، ويبقى ما عدا ذلك على أصل المنع.
أما العمل في هذه المؤسَّسات فالأصل فيه المنع، إلا مع استصحاب نيَّة استصلاح الأحوال في هذه المؤسَّسات وتقليل مفاسدها واكتساب الخبرة من خلالها، تمهيدًا لقيام البديل الإسلاميِّ المشروع.
ولكن ليس معنى النَّهي عن العمل بها تجاهل حالات الضَّرورة أو الحاجة التي ألجأت بعضَ النَّاس في زمن انتشار البطالة وضيق ذات اليد إلى العمل في هذه المؤسسات، وإنما المقصود أن من تقرَّر ذلك لديه يضع نصب عينيه مفارقة هذه المواقع عندما يتهيَّأ له بديلٌ مشروع مناسب يقوم بحاجته وحاجة ولده، ثم يبذل الجهد في تحصيله، ويعقد العزم على التَّحوُّل إليه عند أول القدرة على ذلك، وأرجو أن يسعه عفوُ الله في هذه الفترة الانتقالية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.