جلوس المرأة في الطرقات

ما حكم الدِّين فيمن يسمح لزوجته بالجلوس على عتبة الباب وعلى طريقٍ عام وذلك بعلم زوجها، وحينما نصحتُه في ذلك قال: كل النَّاس تقعد أمام منازلها. على الرغم من أنني أشاهدها تتكلَّم مع أقارب لها أمام المنزل مع مرور النَّاس عليهم. فهل هذا يُعتبر ديوثًا أم لا؟ وبم تنصحه؟ علمًا بأنني سأجعله يقرأ الرَّدَّ على تلك الفتوى فأرجو ردًّا واضحًا وصريحًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله تعالى أن يَرُدَّه إليه ردًّا جميلًا، وأن يُوفِّقَك إلى حسن البلاغ عن الله عز و جل  وعن رسوله ﷺ، وأن يرزقك الحكمة في هذا البلاغ حتى تفتح به مغاليق القلوب، ولا تَصُدَّها بجفاءٍ أو بحدة عن سواء السَّبيل.
إن الرَّجُل في بيته راعٍ وهو مسئولٌ عن رعيته(1)، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
إن للطريق حقَّها الذي ذَكَره النَّبيُّ ﷺ في قولِه فيما رواه عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه  قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْـجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ». قالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا نتحدَّث فيها؟ قال: «فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ»». قالوا: وما حقُّه؟ قال: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْـمُنْكَرِ»(2).
فهذا حقُّ الطَّرِيق إذا جلس الرِّجال، أمَّا المرأة فإن الأصلَ هو قرارُها في بيتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33] ويكون خروجُها بقدر قضاء حاجتها؛ لقوله ﷺ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ»(3).
وغضُّ البصر وصية الله للرِّجال والنِّساء، فقد قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 31]، والمقام مقامُ نصحٍ وتوجيه، وليس مقام تراشق بالتهم وتقاذف بالمناكر. فأسأل اللهَ التَّوفيقَ للجميع، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) فقد أخرج البخاري في كتاب «النكاح» باب «المرأة راعية في بيت زوجها» حديث (5200)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم» حديث (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الاستئذان» باب «قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: 27]» حديث (6229)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه» حديث (2121).

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 53]» حديث (4795)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان» حديث (2170)، من حديث عائشة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend