الكفارة والدية في حق من أجهضت جنينها ابن الشهرين(2)

السؤال

حسب ما فهمت فإجهاضي يدخُل في باب قتل النفس حتى ولو كان قبلَ نفخ الروح، وإذا كان إجهاضًا لحملٍ من سِفَاحٍ وتمَّ بعد توبة لمن تُدفع الدية؟ أنا خائفة من العذاب، فالقاتل يُخلد في جهنم، أنا أخطأت وتبت، فما هو الحل؟ هل تقبل توبتي؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فيا بنيتي لا يعظُم ذنب على التوبة، لقد قال تعالى فيمن قتلوا أولياءَه، وأحرقوهم بالنار في قصة أصحاب الأخدود: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج: 10]. فهؤلاء لو تابوا لتاب الله عليهم.

وقد قصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه قصةَ رجل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب، فقبل الله توبته، والقصة رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ فِيمَنْ كان قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تسعه وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عن أَعْلَمِ أَهْلِ الأرض فَدُلَّ على رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إنه قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ له من تَوْبَةٍ؟ فقال: لَا. فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أَعْلَمِ أَهْلِ الأرض فَدُلَّ على رَجُلٍ عَالِـمٍ فقال: إنه قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ له من تَوْبَةٍ؟ فقال: نعم، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟! انْطَلِقْ إلى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فإن بها أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ ولا تَرْجِعْ إلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فأنطلق حتى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْـمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فيه مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فقالت مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاء تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إلى الله. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إنه لم يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ. فقال: قِيسُوا ما بين الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كان أَدْنَى فَهُوَ له. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إلى الأرض التي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ». قال قتادة: فقال الحسن: ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره([1]).

فلا تقنطي من رحمة الله، ولا تيأسي من روحه، وتذكري يا بنيتي قول الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. وأبشري برب قريب مجيب ودود غفور حنان منان. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

([1]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «حديث الغار» حديث (3470)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «قبول توبة التائب وإن كثر قتله» حديث (2766) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

تاريخ النشر : 29 نوفمبر, 2020
التصنيفات الموضوعية:   12 فتاوى المرأة المسلمة, 14 الديات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend