قراءة القرآن وتدبره مع الزهادة في حفظه

أنا أمٌّ ولله الفضل أسعى لتحفيظ ابني القرآن، وأنا أتعلم أيضًا أمور ديني وأتفقَّه فيه وأدعو ربي أن يُحببني في القرآن وتدبُّره، ولكن حفظ القرآن ليس لي رغبة فيه ولا أسعى له، لا أدري لماذا، وزوجي يُعاتبني ويقول: ألا تُريدين دخولَ الجَنَّة؟ ولا أدري ما أجيب، أفكر لو قرأت القرآن بتدبُّرٍ مع التَّفْسير أفضل ودرستُ علمًا شرعيًّا آخر، وأسعى لتحفيظ ابني الصَّغير- أربع سنوات- القرآن لعلمي بأهميته، فهل أنا آثمة لعدم رغبتي ونيتي لهذا الشرف؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن خيرَ هذه الأمة من تعلَّم القرآن وعلمه(1)، وإن القلبَ الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب(2)! وقد قال ربِّي جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29].
ولكن حفظ القرآن الكريم كاملًا ليس بشرطٍ في صحة الإيمان، فلم يكن الصَّحابة جميعًا يحفظون كتاب الله عز و جل ، بل كان فيهم القُرَّاء وهم الحفظة وفيهم غيرهم، إلا أنهم جميعًا أحبُّوا كتابَ الله جل وعلا وعظَّموه، وأقبلوا عليه فلم يهجروه.
وتدبُّرك للقرآن في ذاته عملٌ صالح ولو لم يكن معه استظهار لكتاب الله عز و جل  وقراءة له بالغيب، وهذا الفتور الذي تستشعيرنه تجاه الحفظ وضعف الرَّغْبة في ذلك أرجو أن يكونَ أمرًا طارئًا سرعان ما يزول إذا شرعت في تحفيظ ولدك للقرآن، وشرعت في معايشة أجواء القراءة والحفظ.
بقيت مسألة أدعوك إلى تدبُّرها: لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب، ولم يُرفع إلا بتوبة(3)! إن الزهادة في الإقبال على القرآن وقلة انشراح الصدر بقراءته باب من أبواب البلاء! ومثل هذا لا يكون إلا بسبب ذنب أو غفلة، فأَقْبلي على نفسك وحاسبيها، وعلى أعمالك فزِنِيها، فينبغي أن تكونَ للعاقل ساعات يُحاسب فيها نفسَه وساعات يناجي فيها ربَّه، ومن أدمن قَرْع أبواب ربِّه ولاذ بأعتابه لابُدَّ أن يفتح له في لحظة من اللحظات، فإن ربِّي لطيف لما يشاء(4)، وهو أرحم بعباده من آبائهم وأمهاتهم(5).
ونسأل اللهَ أن يَرُدَّك إليه ردًّا جميلًا، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) فقد أخرج البخاري في كتاب «فضائل القرآن» باب «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» حديث (5027) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».

(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/223) حديث (1947)، والترمذي في كتاب «فضائل القرآن» باب «ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر» حديث (2913)، والدارمي في كتاب «فضائل القرآن» باب «فضل من قرأ القرآن» حديث (3306)، من حديث ابن عباس ب قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْـخَرِبِ»، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

(3) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1/124) حديث (727) من قول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه .

(4) قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100].

(5) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «رحمة الولد وتقبيله ومعانقته» حديث (5999)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه» حديث (2754)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أنه قال: قدم على رسول الله ﷺ بسبيٍ؛ فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله ﷺ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْـمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قلنا: لا والله؛ وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله ﷺ: «لَلَّـهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 القرآن الكريم وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend