حول سورة الإخلاص وكونها تعدل ثلث القرآن

إذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن في الثواب، ومن قرأها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كاملًا، فما الفرق إذا فيمن يقرأ القرآن كاملًا من المصحف وقرأ هذه السورة ثلاث مرات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد صحَّ الخبر عن رسول الله ﷺ أن سورة الإخلاص تعدل في الجزاء ثلث القرآن؛ فقد تفضَّل الله على الأمة، وعوَّض قِصَر أعمارها بمزيد من الأجر على أعمال يسيرة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟!» قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: «﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ!» فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله ﷺ فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: إني أُرى هذا خبر جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج نبي الله ﷺ فقال: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»(2).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ»(3).
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ مَنْ قَرَأَ اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: أقبلت مع النبي ﷺ، فسمع رجلًا يقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، فقال رسول الله ﷺ: «وَجَبَتْ». قلت: وما وجبت؟ قال: «الْـجَنَّةُ»(5).
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه  قال: قال النبي ﷺ: «مَنْ قَرَأَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1]حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْـجَنَّةِ»» فقال عمر بن الخطاب: إذن أستكثر يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ: ««اللهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ»»(6).
ولا يعني هذا أن قراءة هذه السورة ثلاثًا تغني عن قراءة القرآن الكريم كله، أو أنه ليس بنا حاجة لقراءة القرآن، وأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] كافية عنه؛ ذلك أن القول الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه السورة كان لها هذا الفضل؛ لأن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام؛ ثلث منها للأحكام، وثلث منها للوعد والوعيد، وثلث منها للأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء الصفات.
هذا قول أبي العباس بن سُرَيج واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»(7).
والمسلم لا غنى له عن الأمرين الآخرين وهما الأحكام والوعد والوعيد، ولا يتم له معرفتهما إلا بالنظر في كتاب الله كاملًا، ولا يمكن لمن يقف عند سورة «الصمد» أن يعرف هذين الأمرين، فهناك فرق بين الجزاء والإجزاء؛ فالجزاء هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على الطاعة، والإجزاء هو أن يسدَّ الشيء عن غيره ويجزئ عنه. فقراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] لها جزاء قراءة ثلث القرآن، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن، فمن نذر- مثلًا- أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئه قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]؛ لأنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء والثواب لا في الإجزاء والإغناء عن قراءة ثلث القرآن.
ومثل هذا يقال في قراءتها ثلاث مرات؛ فمن قرأها في صلاته ثلاث مرات لا تجزئه عن قراءة الفاتحة، مع أنه يُعطى جزاءَ وأجرَ قراءة القرآن كاملًا، لكن لا يعني هذا أنها أجزأته عن الفاتحة.
ومثل هذا في الشرع ما أعطاه الشارع لمن صلَّى صلاة واحدة في الحرم المكي، وأنه له أجر مائة ألف صلاة، فهل يفهم أحد من هذا الفضل الرباني أنه لا داعي للصلاة عشرات السنين، لأنه صلى صلاة واحدة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة؟! بل هذا في الجزاء والثواب، أما الإجزاء فشيء آخر. زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «فضل قراءة قل هو الله أحد» حديث (811).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «فضل قراءة قل هو الله أحد» حديث (812).

(3) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «فضل قراءة قل هو الله أحد» حديث (811).

(4) أخرجه الترمذي في كتاب «فضائل القرآن» باب «ما جاء في سورة الإخلاص» حديث (2869)، والدارمي في كتاب «فضائل القرآن» باب «في فضل قل هو الله أحد» حديث (3437). وقال الترمذي: «حديث حسن». وذكره الألباني في «صحيح الجامع» (2695).

(5) أخرجه مالك في «موطئه» (1/208) حديث (486)، وأحمد في «مسنده» (2/302) حديث (7998)، والترمذي في كتاب «فضائل القرآن» باب «ما جاء في سورة الإخلاص» حديث (2897)، والنسائي في كتاب «الافتتاح» باب «الفضل في قراءة قل هو الله أحد» حديث (994)، والحاكم في «مستدركه» (1/754) حديث (2079). وقال الترمذي: «حديث حسن»، وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1478).

(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/473) حديث (15648)، والطبراني في «الكبير» (20/183) حديث (397)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/145) وقال: «رواه الطبراني وأحمد وفي إسنادهما رشدين بن سعد وزبان وكلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين».
وأخرج الدارمي في كتاب «فضائل القرآن» باب «في فضل قل هو الله أحد» حديث (3429) مرسلًا عن سعيد بن المسيب: قال: إن نبي الله ﷺ قال: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ بُنِيَ لَهُ بِهَا قَصْرٌ فِي الْـجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ عِشْرِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ بِهَا قَصْرَانِ فِي الْـجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ بِهَا ثَلَاثَةُ قُصُورٍ فِي الْـجَنَّةِ». فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذن لتَكثُرن قصورُنا! فقال رسول الله ﷺ: «اللهُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ».
وأخرج الطبراني في «الأوسط» (1/93) حديث (281) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي الْـجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِشْرِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ قَصْرَانِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً بُنِي لَهُ ثَلَاثَةٌ».

(7) «المجموع» (17/103).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 القرآن الكريم وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend