هدم الأضرحة ونبش مراقد الصالحين

أزمة الأضرحة وتداعياتها في الإعلام وفي الشارع المصري… إلى أين؟ وكيف يتأتى الدخول في مثل هذه المشكلات والبلد لا تزال تلعق جراحاتها، ولما تتعافَ من أوجاعها بعدُ؟! وهل يجوز إحراق الأضرحة أو هدمها ونبش مراقد الصالحين؟ وهل زيارة قبور الصالحين شِرْك يقتضي هدم القبور على ساكنيها وزائريها؟!

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهل توجد فعلًا أزمة حقيقية على أرض الواقع، أم أنها أزمة مفتعلة لا ترمي إلا إلى تشويه فصيل من فصائل العمل الإسلامي، وشنِّ الغارة عليه، ليستمر مسلسل الظلم والبغي الذي تولَّى كبره النظام البائد من قبل، ثم خلف من بعدهم فلولٌ لهم لا تزال تعربد هنا وتعربد هناك؟!
هل سمعت بأحدٍ ممن يُنقل عنه العلم أو الفتوى من داخل الفصيل السلفي أو من خارجه يقول ذلك؟ وهل أثبتتِ التحقيقاتُ التي أجرتها الجهات القضائية المعنية تورُّط أحدٍ من هؤلاء في هذا السفه: مشاركة أو إفتاء أو دعوة وتحريضًا أو حتى إجازة ورضًا؟ إذا لم يثبت شيء من ذلك ففيمَ يتنازعون؟ وعمَّ يتساءلون؟
وهَبْ أنه قد وُجد بعضُ العوامِّ أو الحمقى الذي انتحلوا النسبة إلى التيار السلفي وتورَّطوا في مثل هذه الحماقات أفيصح تعميمُ التُّهَمة بحيث تُصبح وَصْمة يُوصم بها هذه التيار مِن أقصاه إلى أقصاه، ويُعيَّر بها وهو الذي ما فتئ يُنكر على هؤلاء وينسبهم إلى السفه والجهل والحمق والشطط؟!
ألم ينتسب إلى الإسلام عبر التاريخ فِرَقٌ ضالَّة مارقة كالخوارج والمرجئة والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم؟ أفيصح وصف الإسلام كله بالضلال لأن فريقًا ممن ينتسبون إليه قد خرج عن الجادَّة وحاد عن الصراط؟!
ألم ينتسب إلى الإسلام في واقعنا المعاصر بعضُ تيارات التكفير والتفجير، وأكثروا في الأرض الفساد، أفيصح أن يُحاكَم الإسلام كله بجريرة هؤلاء؟ فتعمَّم التهمة ويحاكم القرآن ويُدعى إلى حرقه كما دعا إلى ذلك سفيه فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية؟
إن السواد الأعظم من العقلاء جميعًا سواء أكانوا متدينين أم غير متدينين يُنكرون ما يجري من تجاوزات حول هذه الأضرحة، ولكنهم لا يتداعون إلى تحريقها أو نبشها، لحرمة القبور من ناحية، ولما يترتَّب على ذلك من المفاسد الجمة التي تُغرق البلاد في مستنقع من الفتنة من ناحية أخرى.
لقد كان حافظ إبراهيم وما عُرف عنه : أنه له انتساب خاص إلى السلفية، أو أنه كان على رأس تنظيم من تنظيماتها، كان يقول:

  • أَحْياؤُنَا لا يُرْزَقُونَ بِدِرْهَمٍٍ
  •  وبألفِ ألفٍ تُزْرَقُ الأمواتُ
  • منْ لي بحظِّ النائمين بِحُفرةٍ
  •  قامَتْ على أَحْجارِها الصَّلواتُ
  • يَسعَى الأنامُ لها، ويَجري حَولَها
  •  بَحْرُ النُّذُورِ وتُقرَأ الآياتُ
  • ويقالُ: هذَا القُطْبُ بابُ المُصطَفَى
  •  ووَسِيلَةٌ تُقضَى بهَا الحاجاتُ(1)

 

 

إنه لا علاقة للدعوة إلى تجريد التوحيد لله عز وجل ، وتحرير العقل من أغلال الخرافة، بما تكثر حوله الجلبة في هذه الأزمة من دعوى تحريق الأضرحة، لكي يقابلها دعوة إلى الدفاع عن الأضرحة وتشكيل لجان شعبية لدرء العدوان عنها، وتغرق البلاد في مستنقع الفتنة ويبتسم الساخرون، ويشمت الشانئون.
إننا نعلن بملء أفواهنا أن هذا العمل لا يجوز، لما يتضمنه من المفاسد الجمة، والمضار الراجحة، والفتنة البينة الظاهرة، وسوف تبقى دعوتنا إلى تجريد التوحيد لله عز وجل  قائمة، وسوف نظلُّ نقول للناس في كلِّ موقع، في مصر وفي خارج مصر: لا يسوق الخير إلا الله، ولا يصرف السوء إلا الله، وما بكم من نعمة فمن الله!

وسوف نظلُّ نقرأ عليهم قول الله جل وعلا: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ولَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13- 14].
أما زيارة القبور فهي مشروعة بإجماع المسلمين؛ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا»(2). «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْـمَوْتَ»(3).
ولكن الزيارة المشروعة هي التي تكون بقصد السلام على أهل القبور والاستغفار لهم والترحم عليهم، والتي يُرجى من ورائها الاتعاظ بالموت وتذكُّر الدار الآخرة، أما التي يُقصد بها تقديم النذور لهم وذبح القرابين على مشاهدهم، أو الاستغاثة بهم من دون الله فهذه المرفقات المصاحبة للزيارة مرفوضة، وهي من جملة البدع والمحدثات. والله تعالى أعلى وأعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأبيات من بحر الكامل.

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الجنائز» باب «استئذان النبي صلى الله عليه وسلم  ربه عز وجل  في زيارة قبر أمه» حديث (977) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه .

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الجنائز» باب «استئذان النبي صلى الله عليه وسلم  ربه عز وجل  في زيارة قبر أمه» حديث (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend