معارضة ما حدث من تظاهرات واحتجاجات سلمية

أستحلفك بالله أن تُوجِّه نصيحةً لمن لا يزالون يشنُّون الغارات على ما حدث من تظاهرات واحتجاجات سلمية، حتى بعد أن أسفرت عما أسفرت عنه من زوال دولة الباطل، خاصة من انتسب إلى منهج السلف الذي نُجِلُّه ونعتقده، وإن كنا نعتب على بعض المنتسبين إليه مواقفهم المستفزة التي يعكس بعضُها قصورًا في فهم الشرع أو في فهم الواقع أو في كليهما، خاصة في ثغرنا الجميل الإسكندرية؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأخشى أن تكون مبالغًا في تصويرك للواقع أو تصوُّرك له، إن مبلغ علمنا أن جُلَّ من تتحدَّث عنهم في هذا الثغر الجميل كانت مواقفهم تدل على ملاءمةٍ بين الفقه والواقع، لقد قدَّروا عدم الخروج مع المتظاهرين لما حسبوه من مفسدةٍ راجحة في ذلك، ولكنهم لم يُثرِّبوا على المخالف، ولم يشنوا عليه الغارة، ولم يرموه ببدعة أو فسوق، وإنما أفتوا أنفسهم ومن تبعهم بما ترجَّح لهم، ووكَّلوا من ترجَّح له خلاف ذلك إلى اجتهاده، وتعاونوا مع الجميع في ضبط الأمن وفي تأمين ظهور المتظاهرين وعوراتهم، وتعاونوا مع نخبة من فقهاء الأمة ممن أصدروا بعض البيانات العلمية التي تُرشد السعي وتجتهد في تكميل المصالح وتقليل المفاسد في هذه المرحلة الحرجة، ووقَّعوا معهم على تلك البيانات رغم أنهم يخالفون أصحابها في بعض حساباتهم وموازناتهم.
ومثل هذا الموقف لا تثريب على أصحابه شرعًا، فإن ما بُني على الموازنة بين المصالح والمفاسد من المواقف يُعَد من مواضع الاجتهاد التي لا ينبغي أن يُضيَّق فيها على المخالف ما دام لم يُضيِّق هو بدوره على المخالف، فقد تمهَّد في قواعد الفقه الكلية أنه: لا يُنكر المُختلَف فيه، وإنما يُنكَر المُجمَع عليه.
وكان فقهاؤنا يقولون في مثل هذه القضايا: ما نحن عليه صوابٌ يحتمل الخطأ، وما عليه غيرُنا خطأٌ يحتمل الصواب.
أما مَن وضع نفسه خارج الحسِّ الإسلامي والوطني العام، ولا يزال يشنُّ الغارة على كل ما حدث، ويشدِّد النكير على المخالف، ولا يعذره باجتهاده، حتى بعد أن أسفر الصبح لذي عينين، فلا نملك مع مثله إلا أن نصبر عليه، فلا نبادله بغيًا ببغيٍ، ولا استطالة باستطالة، ونُعزِّي أنفسنا بمثل هذه المقولة: «ليس من طلب الحقَّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه». ونعذره باجتهاده، وندعو له بالهداية والتوفيق، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend