مباركة حزب النور للانقلاب العسكري

باختصار. مشكلتنا مع حزب النور ليس اختلافًا في الرأي ولا اجتهادًا سائغًا، مشكلتنا معهم ثلاث مشاكل:
الأولى: أنهم كذبوا كذبًا صريحًا لا يتطرق إليه التأويل. بهدوء ودون انفعال، هل العبارات التالية كذب أم صدق؟
– الجيش لم ينقلب على الصندوق (عبد المنعم الشحات في إحدى مقالاته).
– نادر بكار يصف الثورة بتصحيح المسار.
– خالد علم الدين يصف الثورة بثورة التصحيح.
– أشرف ثابت: القوات المسلحة مؤسسة وطنية قامت بدورها في ثورة 25 يناير و30 يونيو وما اتخذت من إجراءات لا يُعد انقلابًا عسكريًّا.
المشكلة الثانية والأكبر هل هي فتنة؟
دعنا نفترض أنها فتنة؛ حينئذ لن تنزل ولكنك لن تصفَ الانقلاب بالثورة.
دعنا نقول أنهم قوم بغَوا على قوم؛ حينئذ لا ينبغي أن تُسمِّي البغي تصحيحَ مسار.
المشكلة الثالثة: حزب النور والدعوة السلفية تزعم أنه اجتهاد سائغ لكي تدفع عن نفسها نيرانَ الانتقاد، لكنها في الوقت نفسه تحمِّل قيادات الإخوان مسئولية الدماء التي تراق، وهذا نص تصريحات نادر بكار، فكيف يكون اجتهادًا سائغًا للدفاع عنكم وغير سائغ للهجوم على إخوانكم؟ أتحلُّونه عامًا وتحرمونه عامًا؟!
فما تعليقكم؟ أفتونا مأجورين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأحقُّ الناس بالإجابة عن هذه المشاكل أو التساؤلات هم رجالاتُ حزب النور أنفسهم، فلديهم من الكفايات وحملة الأقلام ما يُمكِّنُهم من تبيين موقفِهم في هذه القضايا والدفاع عنه، ونحسبُ أن لديهم من الديانة ما يمنَعُهم من الانجرارِ إلى الجدال بالباطل، وقد علموا أنه إذا كان يومُ القيامة ستبلى السرائر(1)، وسيختم الله على الأفواه لتتكلم الأيدي والأرجل(2)، وأن الله جل وعلا يعلم السر وأخفى(3)، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [فاطر: 45]. نحسبهم كذلك، والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدًا.
كما أسجِّل في تعليقي على المشكلة الأولى تحفُّظي على استخدام هذه الكلمات في الحوار بين أهل الدين، وإن لنا في عبارات الخطأ أو عدم التوفيق للإصابة مندوحة، فلماذا هذه العبارات المستفزة التي تستثير المخالف، وتحمله على العناد، وتحرك عنده دوافع الشقاق والمحادة؟!
ثم أقول للسائل بعد ذلك: إن قصدت بالكذب الإخبارَ بخلاف الواقع، بناء على تأوُّل أو اجتهاد، دون تجانُفٍ لإثم، أو تعمُّد لطمس الحقائق، فذلك محتملٌ. أما إن قصدت به تعمُّد الإخبار بخلاف الواقع مع العلم بخلافه، فهذا الذي ننزه إخوتنا في حزب النور عنه، فما علمنا منهم ذلك، وقد عاشوا مشاعلَ للسُّنَّة طوال العقود الماضية، فلا يجمل أن تهدم الرموز في لحظة من لحظات الألم أو الغضب، وفرق بين التخطئة والتأثيم، وأهل السنة لا يقرنون بين الخطأ والإثم كما هو معلوم.
أما الوقائع والتصريحات نفسها فلا علم لي بسياقها فتترك إلى قائلها لبيان مقصوده. إن من القيَمِ الأصيلة للحوار أو في التعامل مع المخالف أن تلتمس له المخارج ما أمكن، فإن لم تجد له عذرًا قلت: لعل له عذرًا لا أعلمه.
على سبيل المثال: ألا يوجد متأولون من صالحي المؤمنين يصفون ما حدث في 30 يونيو بأنه ثورة وتصحيح للمسار، وأن موقف الجيش كان انحيازًا إلى الشعب؟! سواء أكان ذلك في ذاته صوابًا أم خطأً.
إن الذين خرجوا في هذه المظاهرات كانوا أخلاطًا من الناس، ومنهم كثيرون أخرجهم الغضب، والنقمة على تردِّي الأحوال، والانفلات الأمني، والأحوال المعيشية القاسية. ومن هؤلاء أصحاب دين، وأصحاب مواقف وطنية، وليسوا مجرد فلول أو أعضاء في حركة تمرد.
فمن نظر إلى المشهد من هذه الزاوية، وصدَّق الشائعات، وتجاهَل أو غيب عن دور حركة تمرُّد، وحملات الكراهية طوال الفترة الماضية أو همَّش دورها، وغضَّ الطرف أو حُجب عن خطط إفشال الرئيس المنتخب المتعمدة، ومظاهرة بعض ذوي القربى من دول الجوار على ذلك، ومسلك الجيش والشرطة طوال هذه الفترة، وقول كثير من ضباط الشرطة في أعقاب تولي مرسي للقيادة: نحن في إجازة مفتوحة لمدة أربع سنوات. ولو تجاهل كذلك، أو غيب عن صناعة الأزمات على مدار عام كامل، وتصعيدها قبيل الموعد المحدد بصورة غير مسبوقة، لو تجاهل هذا كله، أو قرأه على نحو مخالف، ورأى هذه الحشود التي تطالب بإسقاط النظام، ثم رأى انحياز الجيش إليها، لقال: إن الجيش قد انحاز إلى الشعب، وأعانه على مقصوده من إسقاط النظام.
ولكن من قرأ الواقع على نحو ما جرى بالفعل، سيدرك أن هذا كله كان أمرًا بُيِّت بليل، وأنه مكر الليل والنهار لإجهاض أول تجربة إسلامية، ووأدها في مهدها، وأنه كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون(4).
أما ما نسب إلى بعضهم من القول بأنه واقع فتنة، فلعلهم يشيرون بذلك إلى الفترة التي أعقبت دعوة الجيش إلى خروج مظاهرات مضادَّة تدعم الانقلاب، وما كان يخشى من تقابل بين أبناء الوطن الواحد، وما قد يُفضي إليه ذلك من حرب أهلية وقتال فتنة، وهي الحجة التي رفعها كثيرون في وجه قادة الانقلاب لبيان تهافت دعوتهم إلى الخروج لدعم الانقلاب، والرد على المعارضين.
أما تسويغ حزب النور لموقفه وإدراجه في جملة الاجتهادات السائغة، في الوقت الذي يحمِّلون فيه قادة الإخوان المسئولية عن الدماء المراقة، ولا يسوغون لهم اجتهادهم، فهو مما يطرح للنقاش، ويتراجع به المتحاورون للوصول إلى الصواب، ولا يقتضي هذا تخوينًا ولا تفسيقًا ولا تبديعًا ولا إقصاء، لو كانوا يعلمون. ولا يجمل في مناقشة هذا أن يقال: يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا. فهذه لغة الغاضب المكلوم، وقد يعذر بغضبه في لحظة عابرة، أما أن تكون منهجًا للحوار فلا ينبغي بحال أن تكون هذه هي لغة الخطاب السائدة بين الرموز والقادة.
أيها الأحباب: رفقًا بالأمة التي أولتكم ثقتَها، وجعلت منكم رموزها وقادة جهادها،
هبوا أن هذه المواقف من الزلَّات إن كبُرَ عليكم أن ترَوْها من الأخطاء الاجتهادية، أليس من الرُّشد في التعامل مع زلات ذوي السابقة والفضل أن تُقالَ عثراتهم، وأن تغفر زلاتهم، وأن تحفظ لهم سابقتهم، وأن لا يهال التراب على تاريخهم، وأن لا نشمت الخصوم بتهاجرنا وتهارجنا وتفاحشنا في القول؟!
أليس من الفقه أن تكفَّ الأيدي عنهم، وأن يُنتظر فيؤُهم؟! فإن المؤمن يفتن ثم يتوب، أليس الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث؟! أجيبوا يا أولي الألباب.
وأخيرًا لعلنا نختم بمناصحة رفيقة للأحبة في حزب النور:
أن يراجعوا تصريحاتهم في المنابر العامة، وأن يعتبروا مشاعرَ إخوانهم وهم في هذه المحرقة التي يتحملونها صابرين محتسبين، وأن يجسدوا في سلوكهم وخطابهم قوله تعالى:{ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 54]. وقوله تعالى:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وأن يحرصوا على أن يُراجعوا مواقِفَهم في ضوء المستجدات وهي كثيرة، وأن لا يُشمِتوا بنا شانئًا، ولا آبقًا على ملته وأُمَّته.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم آمين.

______________________

(1) قال تعالى: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ } [الطارق: 9، 10].

(2) قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65].

(3) قال تعالى:{ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7].

(4) قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 48 – 52].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend