رفع السلاح على الانقلابيين على الشرعية

السلام عليكم شيخنا الكريم:
أردت أن أستوضح منكم معنى حديث «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ».
هل هذا ينطبق على الوضع الراهن بمنازعة الدكتور مرسي للحكم من قبل رئيس الجيش المصري والمشاركين بالانقلاب. برجاء سرعة الرد لو تكرمتم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الحديث حديث صحيح أخرجه مسلم، وهو حُجَّة في قتال أهل البغي، فإن كل من ثبتت ولايتُه وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه وقتاله؛ إلا بكفر بواح عندنا فيه من الله برهان.
وقد عنون ابن قدامة في كتابه «المغني» فقال: «كتاب قتال أهل البغي، والأصل في هذا الباب قول الله سبحانه: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 9، 10]. ففيها خمسُ فوائد:
أحدها: أنهم لم يخرجوا بالبغيِ عن الإيمان، فإنه سماهم مؤمنين.
الثانية: أنه أوجبَ قتالهم.
الثالثة: أنه أسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله.
الرابعة: أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم.
الخامسة: أن الآية أفادت جوازَ قتال كل من منع حقًّا عليه.
وروى عبد الله بن عمرو وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ»(1).
وروى عرفجة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ؛ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»(2).
فكل من ثبتت إمامتُه وجبَت طاعته، وحرم الخروج عليه وقتاله؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وفي «صحيح البخاري» من طريق جنادة بن أبي أمية قال: ثم دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله؛ حدِّث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنشطِنا ومكرَهِنا وعُسرِنا ويُسرنا وأثرة علينا؛ وألا ننازع الأمر أهلَه إلا أن ترَوْ كُفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان (3).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْـجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(4).
وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة، فإن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة(5). وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل وصفين وأهل النهروان»(6).
ولكن القتال يا بني ليس مشروع استشهاد فحسب، بل لا يشرع القتال إلا حيث ترجَّح مصالحه، ويظهر توقع الظفر والغلبة، والواقع المعيش مختلف جدًّا، فالدفع نحو المقاتلة تغرير بأهل الدين في مقاتلة غير متكافئة، ودفع بهم إلى المحارق.
هذا. بالإضافة إلى افتقاد الظهير الشعبي لهذا العمل في الوقت الراهن، فقد استطاع الإعلامُ شيطنةَ العمل الإسلامي، وتصوير رجاله على أنهم هم البغاة والخوارج، ويظاهرهم على ذلك بعض أهل الدين من المغيبين أو من المتأولين، فالقتال الآن مفسدة محضة، ولم تبقَ إلَّا المدافعة السلمية، وفي حالة العجز عنها فالعودة إلى الدعوة والتربية، إلى أن يستريح بَرُّ، أو يستراح من فاجر، ويقضي الله أمرًا كان مفعولًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء» حديث (1844).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع» حديث (1852).

(3) أخرجه البخاري في كتاب «الفتن» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي أمورًا تنكرونها. وقال عبد الله بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض» حديث (7056).

(4) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة» حديث (1848) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» باب «قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة» حديث (6924)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» حديث (20)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفَر من كفر من العرب قال عمر: يا أبا بكر كيف تُقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله- فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله»؟! قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعِها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحقُّ.

(6) «المغني» (8/523).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend