رسالة إلى الرئيس: د. محمد مرسي(1)

هل من نصيحة للرئيس مرسي ومؤسسة الرئاسة لعلهم يستمعوا لكم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد كتب مالك بن أنس إلى هارون الرشيد يعظُه، وكتب له سفيان الثوري يعظه، وقد أدَّى كلٌّ مُنهما ما عليه في واجب النصيحة، وأحسَن الرشيدُ : استقبالَ هذه وتلك، وضرب في ذلك أروع الأمثال للحاكم المسلم عندما يُكرم رسائل العلماء، فينزلها منزلتها، وينتفع بها، ولا يصغ لبطانة سوء من حوله، تؤزه عليهم، وتحضه على عداوتهم.
وقد نشأت مالكيَّ المذهب في دراستي الأزهرية، فتيمنًا بسيرة شيخنا الإمام مالك :، ووفاءً بحقوق أُولي الأمر من المسلمين في المناصحة، وحرصًا على أن نكون دائمًا جُزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة، وأن ننشغل بإضاءة شمعة بدلًا من الاستغراق في لعن الظلام، تأتي هذه الكلمات:
أُدرك أن النصيحة النافعة تقتضي قدرًا وافرًا من المعلومات، حتى لا تكون النصيحة ضربًا في عمايةٍ، وأن غياب هذه المعلومات قد يُضعف فائدة النصيحة إن لم يعدمها بالكلية، ولكن حديثي هنا سيكون عن أمور عامة ظاهرة للعيان، اتَّفَق المتابِعُون على وجوب المناصحة فيها، وأنها تمثل بابًا من أبواب الوهن الذي يجب تدارُكَه، أما ما وراء ذلك فسأكتفي بالإشارة إليه في صورة تساؤلات فقط، لعلها تنشط الذاكرة، وتنبِّه الأذهان؛ فإن كانت قد بُنيت على معلومات مغلوطة أو مُبتَسَرة تجاوزها المعنيُّون بها، وإلا أعْطَوْها حقَّهَا من التأمُّل والعناية، وسأكتفي بالحديث عن ثلاثة موضوعات، وإثارة ثلاثة من التساؤلات:
• أزمة الانفلات السياسي والأمني والإعلامي:
أما الموضوع الأول فلا يخفى على كل متابع للشأن المصري أزمة الانفلات السياسي والأمني والإعلامي، التي يكاد يغرق الشارع المصري في فيضاناتها، ولعلَّ من التسطيح للأمور أن يُقال: لم لا يستأسد الرئيس مرسي ويضرب بيد من حديد، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن(1)، ومن لم تجذبه لطائفُ الإحسان قادته سلاسلُ الفتنة والامتحان؟! فإن من يقول مثل ذلك القول قد يكون غافلًا عن تعقيدات المشهد المصري، وما جد فيه من رُوح ثورية، ومن تكتُّلات سياسية وغير سياسية، تجعل اللجوء إلى مثل هذا النوع من العلاج مجازفة كُبرى، تحتاج إلى حسابات في غاية العُمق والدِّقَّة والتعقيد، ينبغي أن تُترك لأهلها ممن تتوافر لديهم المعلومات الكافية للتعامل مع مثل هذا القرار.
ولكن الذي لا يحتاج إلى كل هذه الحسابات والدراسات هو الحيوية الإعلامية من جانب مؤسسة الرئاسة، وإعطاء المشهد الإعلامي حقَّه من المتابعة والمبادرة لمواجهة الشبهة بالحجة، والشائعة بالبرهان والدليل الذي يدحضها، ويكشف بهتان أصحابها.
إننا نتفهم سياسة الصبر، ولكننا لا نتفهم سياسة الصمت، الذي تخلو فيه الساحة للمنافقين والذين في قلوبهم ومرض والمرجفين في المدينة.
إن من يرجع إلى سير أنبياء الله يجدهم يردُّونَ أحاديث الإفك التي يروِّج لها الأفاكون، أو يتولى الله عز وجل الدفعَ عنهم فيما أنزله عليهم من كتاب، ولا يترك الناس نهبًا لأراجيف الـمُبطِلين وأكاذيب الفاتنين.
إن الذي يتقاول به دعاة الضلالة في أبواق الفضائيات تجاوز مرحلة الكذب والبهتان، إلى مرحلة الفجور والبلطجة والتشبيح، فلماذا الصمتُ المريب الذي يجعلهم يفتكون بالعقول والمشاعر؟! ويغتالون مسلَّمات الحق والقسط؟!
لقد دعا نبي الله نوح قومه إلى عبادة الله وحدَه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 59]. فرَمَوْه بالضلالِ المبين، ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: 60]، فلم يستفزَّه هذا التطاول، ولم يُخرجه عن صبره وحلمه، لكنه ردَّ التهمة عن نفسه بهدوء، ﴿قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 61، 62].
ولقد دعا نبيُّ الله هود قومَه إلى عبادة الله وحده وإلى تقواه ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: 65]، فرموه بالسفاهة، واتهموه بالكذب، ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: 66]، فلم يستفزه هذا التَّطاوُل، ولم يُخرجه عن صبره وحلمه، لكنه ردَّ التهمة عن نفسه بهدوء، ﴿قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [الأعراف: 67-68].
وعندما اتَّهم المشركون نبيَّ الله صالحًا بالكذب فقالوا: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ [القمر: 25]، تولى الله جل وعلا ردَّ هذه الفِرية، فقال تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ [القمر: 26].
وعندما اتهم المشركون النبي صلى الله عليه سلم بالجنون، تولى الله جل وعلا الردَّ عليهم، فقال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾} [المؤمنون: 70].
إن شعبنا عاطفي بطبعه، تأسِرُه الكلمة، وتُغيِّر اتجاهَه إذا أُحسِن توظيفُها. وإن حُسنَ صياغة الكلمة وإجادةَ انتقائها وتوظيفها كان وراء الكاريزيما الهائلة التي تمتَّع بها عبد الناصر، ومن وراء ذلك «هِيكل» كما هو معلوم، فسارت الأمة خلفَه بلا عقول. ونحن لا نريد أن تُستخدم الكلمة في تغييب الوعي أو تزييفه، معاذ الله! بل في فتح مغاليقِ القلوب للحق، وتألُّفها على طاعة الله، وفي دحضِ شبهات خصوم الشريعة وأباطيلهم، كما كانت بلاغةُ القرآن وجهًا من وجوه إعجازه، وآيةً على عصمته وكونه منزلًا من عند الله، وسبيلًا إلى فتح مغاليق القلوب لبياناتِه ومواعظه.
وعلى هذا فإنه ينبغي أن يكونَ لمؤسسة الرئاسة فريقٌ من المتخصصين في صياغة الخطاب الإعلامي المناسب، الذي يتَّسمُ بالهدوء والعُمق والشفافية، وهي تملك من الأدوات والمعلومات والرجالات ما يُعينها على أداء هذه المهمة بكفاءة عالية، إن لديها أصحاب أقلام سيَّالة، نذكر منهم الأساتذة: محمد عمارة، ومحمد سليم العوا، وفهمي هويدي، مع التحفظ على ما عُرِف به بعضهم من ميول سياسية شيعية، وغيرهم كثير، ممن يمكن استثمار طاقاتهم ألسنةً وأقلامًا في هذا الصدد، بما يقطع دابرَ الشبهات، أو على الأقل يُحدِث توازنًا في الخطاب الإعلامي، فلا تترك الأمة نهبًا لهذا الخطاب الإعلامي الأثيم، سيما في ظل هذه الأجواء المشحونة بالاحتقانات ضدَّ الدين والمتدينين، وفي ظلِّ تنمر غلاة العلمانية وبقايا الفلول، وقد تقاسموا ليبيتنه وأهله.
• نحو مزيد من الإيحابية في التعامل مع الأحزاب الإسلامية:
إن الأحزاب الإسلامية والفصائل الدعوية تتديَّن في الجملة بعدمِ شرعية الانقلاب على أُولي الأمر من المسلمين، ممن يعلنون التزامهم بالإسلام وإيمانهم بمرجعية الشريعة، وكلُّ ما يرى منها من تجاذبات ومدافعات فهو في إطار النصيحة، والحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا جدَّ الجد وحزب الأمر سيكونون حول الرئاسة جنودًا بواسل، وسيقولون جميعًا لمؤسسة الرئاسة ما قاله أبو طلحة للنبي ﷺ يوم أُحد: «نحرِي دُون نحرِك»(2). فهم العُدة في الملمات، وهم الردءُ إذا خان الحلفاء، وتنكر الأخلاء، ومن وعى درسَ الحاضر يُدرك هذه الحقيقة.
لقد خرَجت جموعُ الغاضبين والثائرين وتقاسموا على هدف واحد، وهو إسقاط الشرعية واقتحام مقر الرئاسة. إن مثل هذا لم يكن ولن يكون أبدًا إن شاء الله من قِبَل أحد من أهل الدين، بل على النقيض من ذلك، كانوا يقولون: الدم الدم والهدم الهدم. وما خبر حازم أبو إسماعيل يوم مدينة الإعلام ببعيد!
وإذا كان ذلك كذلك فينبغي أن يكون لهم من الصبر عليهم وخصوصية الصلة بهم ما ليس لغيرهم، وأن لا تسمح مؤسسة الرئاسة لموقف عابر أو لوشاية مغرضة أن تُزلزل رصيد الثقة ووشيجة القربى التي تربطها بهؤلاء. وقد تمهد أنه يُغتفر لذوي الهيئات ما ليس لغيرهم، وإن من الناس من يُوهب نقصه لفضله، وقد جاء في الحديث: «لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»(3).
مشاركة حقيقية وليس مجرد ترضيات سياسية:
ونحن هنا لا نتحدَّث عن ترضيات سياسية، بل نتحدث عن مشاركة حقيقية، والأحزاب الإسلامية لديها من الفِطنة ما يكفي للتفريقِ بين المشاركة الحقيقية، والترضية السياسية. إن الترضيةَ قد تصلح مع بعض المخالفين ممن لا أرب لهم في سعيهم إلا الحظوظ العاجلة والمغانم القريبة، أما حملة الرسالات وأهل الدين الحق، فإنهم ينتظرون أن يكونوا أكثرَ خصوصية من ذلك، وأولى بمزيد من الولاء والقرب والثقة من ذلك.
إن هذه المشاركة هي التي تبني رصيد الثقة، وتردم الفجوةَ المفتعلة بينهم وبين إخوانهم ورفقاء دربهم وشركاء جهادهم، وتعبر بالعلاقة بهم أزمات نفسية تراكمت عبر مراحل بائسة من التنافس والاحتقانات السياسية.
إن قضيةَ المشاركة ينبغي أن تكون قرارًا تعزِم عليه مؤسسةُ الرئاسة، وقد تجدُ عسرًا في إقناع بعض شباب الحزب أو بعض قياداته الشابة به، ولكنها ينبغي أن تُصر عليه، وأن تقنع به، وأن تلتمس من يُعينُها على ذلك من داخل الحزب وخارجه، ثم أن تلتزم به في نهاية المطاف، لابد أن تقول لشبابها: إن إدارة دولة يختلف عن إدارة تنظيم ظلَّ محجوبًا عن الشرعية طوال سنوات القهر العجاف، مهما بلغت امتداداته وتنوعت كفاءاته، وإن ميراث الفساد التي خلفه النظام الغابر أكبر من أن يقوم له فصيلٌ واحد من الأمة، وأن من الأمانة أن نُعلن ذلك، وأن لا تحملنا العزة بالإثم على إخفائه، وأن نُشرِك كل من يريد وجه الله ويؤمن بالمشروع الإسلامي في هذا المعترك، معترك الحياة في سبيل الله، وهو أشقُّ من معترك الموت في سبيل الله، لا تبرأ الذمة إلا بذلك، ولا ينجح السعي إلا بذلك.
إن خيار المشاركة خيارٌ محتوم، ولا بديل منه شرعًا وقدرًا إلا الفشل وذهاب الريح، وصدق الله العظيم: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال: 46].
وقد يكون من المناسب أن تنشأ هيئةٌ تابعة لمؤسسة الرئاسة، ترعى هذا الملف وتقوم عليه، وينتدب لعضويتها بعض الـمُقدَّمين في هذه الأحزاب، وذلك لتنسيق الشراكة، ومنع أي احتقان عارض قد تُنشئه بعضُ شوارد الأقوال أو الأفعال أو المواقف، ويكون صمامَ أمان يحُول دون الانتكاسات المفاجئة.
• حديث الغاضبين عن أخونة الدولة:
يتحدَّث الغاضبون عن أخونة الدولة، وما فتئوا يبدءون في ذلك ويُعيدون،، وتلك سياسة لو تبناها حزبُ الحرية والعدالة على مستوى الحكومة ما كان على ذلك بملوم، فقد اصطلحت الديموقراطيات المعاصرة على أحقية الحزب الفائز بتشكيل الحكومة، ليكون مسئولًا بالكلية عن سياساته وقراراته، ويمكن محاسبته في نهاية الفترة الانتخابية، وليته فعل! ولو فعل لأراح واستراح.
ولكنه اختار التوافق والمشاركة النسبية، وأعلن عن ذلك، وبدأ المراقبون من الحلفاء والخصماء يراقبون المشهد، ويحاسبونه على هذه الإعلانات، وينظرون إلى سياسته في تسكينِ الأعمال الإدارية العليا داخلَ هذه الوزارات، وهي التي تُمسك بالزمام وتصنَع القرار، فأغضبهم ما يشاهدون، وأثار حفيظتهم ما يسمعون، ومؤسسة الرئاسة صامتة، لا تكاد ترد على شُبهة، أو تتجاوب مع انتقاد، اللهم إلا النفي المجمل، الذي لا يشفي عليلًا ولا يروي غليلًا!
وبدأ بعض هؤلاء يصنع حول مؤسسة الرئاسة وكبينة القيادة من الضغوط الإعلامية والسياسية ما يغل يدَها عن أي تصرُّف، ويكاد يُحبط لها أيَّ سعي في صلافة وفجاجة ظاهرة، ويزداد المشهد تعقدًا، والفتنة سوءًا، ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأحقاف: 19].
إن مصر دولة كبيرة، ومؤسسة الرئاسة ليست بكل شيء عليم، ولا على كل شيء قدير، وقد يحدُث شيءٌ من الشطط في التعامل مع هذا الملف في بعض المواقع، باجتهاد أو بآخر، وقد يبلغ ذلك مؤسسة الرئاسة وقد يحجب عنها، وإذا كان قد حدث نوع من الشكاية من داخل الصف الإسلامي من شيء من ذلك فإن هذا يعني أن هذا التقاول ليس جميعُه من الافتراء أو التوهم، بل لابد أن شيئًا من ذلك قد حدث، فعليها أن تراجع ذلك بنفسها، ومن خلال خلصائها، وأن تتأكد أن الذي تُعلنه على الملأ هو الذي يجري عليه العمل في الواقع، وأن تُؤكد على ما فتئت تقرره دائمًا من الفصل بين الرؤية الحزبية والرؤية الوطنية، ومن كون المصالح الوطنية فوق المصالح الحزبية، وأن الحزب جزءٌ من الأمة وجزءٌ من المنظومة الوطنية، وليس العكس. وأن تتأكد من وجود المشاركة الفعلية، وليس مجرد الترضية السياسية، وأن تتبنَّى من السياسات والآليات في ذلك ما يُحقِّق التوازن، وينزع السخائم، ويضع ذلك موضع التنفيذ، ويحول دون تهميشه أو تجاهله.
تساؤلات حول قضية المستشار خالد علم الدين:
لا علم لي بتفاصيل هذه القضية، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، ولكن التساؤل الذي يُحيِّر المراقب: كيف أعجز مؤسسة الرئاسة أن تجد طريقًا مناسبًا تطوي به قيد من أرادت طيَّ قيده من رجالاتها بطريقة كريمة، تحفظ بها ماء وجهه، وتُبقي على أواصر القربى بينها وبين الحزب الذي ينتمي إليه، وهو الحزب الذي يكاد يكون قسيم العمل السياسي الإسلامي في هذه المرحلة الدقيقة؟! كيف اتَّسع صدر مؤسسة الرئاسة للصبر على طوامِّ الزند، وعبد المجيد محمود، وغلاة الإعلاميين؟ وضاق صدرها بخالد علم الدين بالغًا جرمه ما بلغ؟! ترى هل جاء بأعظم مما جاء به حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلى قريش يُفشي لهم سرًّا عسكريًّا من أخطر الأسرار؟ ويقول لهم: إن رسولَ الله يريدكم فخذوا حذركم؟! ومع هذا قبل رسول الله صلى الله عليه سلم عُذرَه، وقال: صدق لا تقولوا إلا خيرًا، وكف عنه بأس عمر بن الخطاب وسيفه؟!(4)
إن الإقالة إهانة، ووصمة تلاحق صاحبها فترة طويلة، فلماذا هذه العجلة التي تستعدي الحزب، وتُعين شياطين السياسة عليه، في هذه المرحلة الدقيقة، وتفتح طريقًا لشماتة الشامتين، وسخرية الساخرين؟! وتُمهد طريقًا لتكريس الفرقة، وتسميم الآبار بين أكبر فصيلين إسلاميين يُرجى باجتماعهما أن يكسب المشروع الإسلامي الجولةَ المقبلة؟!
قد يكون لدى مؤسسة الرئاسة جواب، ولكن أكثر الناس لم يُحط به علمًا، وقد لاذت مؤسسة الرئاسة بالصمت، أو بالتصريحات المجملة، فبقي العتب، وبقيت المرارة، وبقيت الأصداء الأسيفة لهذا القرار، وبقيت شماتة الشامتين، وغبطة الفلول، وقادة غزوة الأحزاب.
تساؤلات حول العلاقة مع الشيخ حازم أبو إسماعيل:
يتساءل كثير من الغيورين: لماذا تأخرت مؤسسةُ الرئاسة فيما يراه الناس في الإفادة من هذا الشيخ الجليل؟ وهو جيش في رجل، وآتاه الله من الحُجَّة والمنطق ونور البصيرة في كثير من المواقف ما لم يُؤتِ غيره؟ قد يقول بعض الناس: إن للشيخ تصلُّباتٍ في رأيه وتشبثًا بمواقفه، يبلغ أحيانًا مبلغ العناد والخروج على آليات الشورى، بحيث يعسر ضبطه في عمل جماعي ينزل فيه عن رأيه إلى رأي الجماعة، وقد يكون ذلك دقيقًا أو مبالغًا فيه، ولكن المقطوع به أنه لا يبلغ مبلغ إهدار هذه الطاقة الفياضة بالعطاء، المتدفقة بالغَيْرَة والولاء، ولن تعدم مؤسسة الرئاسة سبيلًا تستثمر فيه طاقاته، وتتجنب تفرداته، وتنسي به الفلول وساوس الشيطان، وإن ما فعله يوم حصاره لمدينة الإعلام رفعًا للحصار عن قصر الاتحادية مما قد يصدُق عليه من بعض جوانبه قول النبي ﷺ: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم(5).
تساؤلات حول التأخُّر في ردود الأفعال والتردُّد في صناعة القرار:
ينتظر الناس من مؤسسة الرئاسة مزيدًا من المبادرة والحيوية في التعامل مع المشهد السياسي، ويسوءهم في كثير من الأحيان التأخُّر في ردود الأفعال والتردُّد في صناعة القرار، الأمر الذي ينال من هيبة الرئاسة ويجعل سبيلًا إلى عِرض القائمين عليها، ورحم الله القائل:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة = فإن فسادَ الرأي أن تترَدَّدا(6)

إن تأخُّر التعامل مع بعض المواقف، وكثرة الرجوع عن بعض القرارات بعد إصدارها تعكس في حسِّ المتابع خللًا في الآلية، وضعفًا في المهنِيَّة، وفوضى في الأداء، وما نحبُّ لمؤسسة الرئاسة في هذا الوقت العصيب أن تظهر بهذا المظهر، ومؤسسة الرئاسة وحدها هي التي تعرف كيف تعالج هذا القصور، باستكفاء الأمناء، وتقليد النصحاء، فيما يفوض إليهم من الأعمال، ويوكل إليهم من الأموال؛ لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة، وكيف تكون عند ظن المحبين لها والغيورين على أدائها وعرضها؟!
هذا بعض ما تيسر تسطيره والحديث موصول وله بقية بإذن الله، والله تعالى أعلى وأعلم.

______________________

(1) أخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (4/107) من قول عمر بن الخطاب.

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «مناقب أبي طلحة» حديث (3811)، ومسلم في كتاب «الجهاد والسير» باب «غزوة النساء مع الرجال» حديث (1810)، من حديث أنس.

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] حديث (4890)، ومسلم في كتاب «فضائل الصحابة» باب «من فضائل أهل بدر» حديث (2494)، من حديث علي.

(4) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «فضل من شهد بدرًا» حديث (3983) من حديث علي.

(5) أخرجه الترمذي في كتاب «المناقب» باب «في مناقب عثمان بن عفان» حديث (3701) من حديث عبد الرحمن بن سمرة. وقال: «حديث حسن غريب من هذا الوجه».

(6) البيت للخليفة المنصور، وهو من بحر الطويل. انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص427.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend