دفع الناس لسحبِ أموالهم من البنوك بحجة العصيان المدني(3)

فضيلة الشيخ: قرأنا فتواكم عن عدم سداد فواتير الكهرباء والمياه جزاكم الله خيرًا، ولكن السؤال الآن عن دفع الناس لسحبِ أموالهم من البنوك لإسقاط الجهاز المصرفي مما يتبعه إسقاط الانقلابيين. مع العلم أن هذا العمل باليقين سوف يكونُ له مفاسد. فما رأي فضيلتكم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا ما يحار فيه اللبيب، والحديث في مثلِه مزلَّةُ أقدام، ومدحضة أفهام؛ لما يزدحم فيه من المصالح والمفاسد، وما يختلط فيه من المنافع والمضار؛ ذلك أن الإنكارَ على الغصب والغاصبين مقصدٌ شرعيٌّ، والمحافظةَ على الجماعة الوطنية والحرصَ على أن لا تطال وسائلُ الإنكار والمقاومة الأبرياءَ والآمنين مقصدٌ شرعيٌّ كذلك، والتوفيق بينهما قد يعسر في بعض المواضع، والموازنة قد تدقُّ مساربها، وتتعقد مسالكها، ويعسر توجيهها، فاللهم مددًا من عندك، يا مفهم سليمان فهِّمنا، ويا معلم داود علمنا.
إن الفلول وأضرابهم ومن دار في فلكهم يستحلُّون كل وسيلة لتحقيق مآربهم، ولو كان هذا على حساب تجويع أمَّة، وإغراقها في بحر من الدماء، وحرقِ جُثثِ موتاها، وإجبار ذويهم على التوقيعِ على وثائق انتحارٍ لتركِيعِها وإذلالها، لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمَّة، وفي سبيل مآربهم تُنتهك الحرمات، وتستباح الخصوصيات، وتداس المقدَّسات، في جرأةٍ يحسدهم عليها أكثرُ الشياطين أبلسةً، وأشدهم على الرحمن عتيًّا.
لقد ارتكبوا في سبيل إسقاط الرئيس المظلوم كلَّ حماقة، وركبوا متنَ كل شطط، سكبوا البنزين والسولار في الصحاري لتتفاقم الأزمة، أطلقوا سعار البلطجية وقُطَّاع الطرق، وقدموا لهم غطاء من الشرعية السياسية، ووظفوا الأجهزةَ القضائية لإطلاق سراحهم عقيب القبض عليهم بلحظات معدودات، سخروا آلةَ الإعلام لترويج الكذب والفحش وأحاديث الإفك، والسبِّ والقذف والسخرية والإهانة على نحو يتوراى منه الخجل، ويستحيي منه الحياء، وتخزي منه الشياطين والأبالسة.
ولكن أهل الدين بطبيعة الحال لا يستبيحون التورُّطَ في شيء من ذلك، فإن لهم من دينهم سياجًا يحُول بينهم وبين هذا السقوط المروِّع، ولهم في خصومتهم جملةٌ من المبادئ التي تمنعهم من هذه الاستباحة الفاجرة.
وإن من نكد الدنيا أن يتحوَّل إسقاطُ المؤسسات الوطنية الحيوية والمفصلية مقاومةً شعبية وعملًا وطنيًّا يتداعى إليه الصالحون والوطنيون. وسألت نفسي: لو أن عدوًّا لدودًا لأمتي سواء أكان من الصهاينة الغاصبين، أم كان من غيرهم، تسلل إلى بلادي، وأراد أن يكيد لها، وأن يعيث فيها فسادًا، فما الذي يطمح إليه أكثر من إسقاط المؤسسات الوطنية الحيوية وتخريبها؟! لقد استباح ذلك من قبل الفلولُ والعلمانيون، فهل يستبيحه الوطنيون والإسلاميون؟!
من أجل هذا فإنني أحسبُ أن تقَصُّدَ إسقاطِ الجهاز المصرفي وما يَستتبعه من إلحاقِ الضرر بعموم الناس مسلمين ومعاهدين، أمرٌ يحتاج إلى تدبُّر عميق ودراسة متأنية، يرجع فيه إلى أهل الدين من الخبراء في عالم المال والاقتصاد والسياسة، لاقتراح البدائل والآليات التي تقلِّل من هذه المفاسد، وتحصر آثارها في الغاصبين والمعتدين، ولا تنشر حرائقها في جسد المجتمع بأسره، وإني لأرجو أن يكون لديهم من الوصفات والرؤى ما يُحقق ردعَ الغاصبين، ويحول دون امتداد أثرها إلى الجماعة الوطنية برُمَّتِها، فإن أمرًا كهذا لا يُترك إلى عموم شباب المقاومة لتقريره، فإن هذا من كُبريات المسائل التي ينبغي تفويضها إلى الخبراء وأهل التخصص فيهم، ليُدلوا فيها بدلوهم، ويبصروا الأُمَّةَ فيها بمواقع أقدامها، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend