حول كون الرئيس محمد مرسي وليَّ أمر

بعد تولية الرئيس مرسي يدور توصيف شرعي مختلف بين جموع العاملين في حقل الدعوة، فمِن قائل: إنه ولي أمر شرعي، ويجب له الطاعة والنصرة. ومن قائل: إنه رجل صالح، غير ممكَّن، ينوي تطبيق الشريعة، ولكن ليس ولي أمر، وليس له بيعة في رقابنا. ومن قائل: إنه لا ولاية له حتى يطبق شرع الله، وإنه لا بيعة له في رقابنا ما دام لم يطبق الشريعة.
وأما بالنسبة لتوصيف الكيانات الدعوية الكائنة فقولٌ بأنها لا يجوز وجودها في ظل جماعة المسلمين وإمامهم. وقول بأنه لا مانع من وجودها؛ لأن الإمام يسمح بذلك، وقول بأنه لا تقوم هذه الجماعات إلا عن طريق القانون كالجمعية الشرعية مثلًا.
نرجو التكرم من فضيلتكم بالتوصيف الشرعي وبيان الصواب فيما ورد؟
وفقكم الله، ورفع قدركم، وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد تولى الرئيس مرسي مهام منصبه في أعقاب اختيار شعبي حر، وتم ترسيمه لرئاسة الدولة وتسليمه السلطة من قبل القوات المسلحة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وشرَّق في المحافل الدولية وغرَّب رئيسًا لمصر، واستقبله العالم كله على هذا الأساس، فهو الرئيس المنتخب لمصر قانونيًّا وسياسيًّا، محليًّا وعالميًّا.
ومن ناحية أخرى فإن الرئيس المصري يعلن هو وحزبه إيمانه بالشريعة، بل كان من سجناء الشريعة عند قيام الثورة المصرية، وكم عانى هو وفريقه من اضطهاد النظام البائد بسبب الدعوة إلى الشريعة والسعي إلى تحكيمها، بل تتحزب كل القوى العلمانية في هذه الأيام ضدهم وترميهم عن قوس واحدة بسبب ذلك، وهذا لا يخفى على ذي عينين، وبهذا يكون رئيسًا شرعيًّا للبلاد، يتعين على الناس عامة وعلى أهل الدين خاصة مؤازرته في مهمته، التي تولاها في أشقِّ ظروف يمكن أن يتولى فيها أحد رئاسة بلد من البلاد.
وإلى الذين يشككون في ولايته من أهل الدين بسبب التباطؤ في تطبيق الشريعة نقول لهم:
لقد علم أهل الإسلام كافَّةً أن القدرة شرط في التكليف، وأن العلمانية التي تجذرت ما يزيد على مائة عام لا تقتلع جذورها بين يوم وليلة، ولا يزال التغيير الذي جاءت به الثورة لما يبلغ إلى الدولة العميقة بعدُ، ومن جرب مرارة التغيير وابتلي بولاية من الولايات في أعقاب تغريبها وطمس هويتها، يعرف ثقل مهمة التغيير ووعورة مسالكها.
والتدرُّج الذي نتحدث عنه ونقبل به هو التدرج في التنفيذ، وليس التدرج في التشريع؛ فقد استقر أمر التشريع في زمن النبوة، والأمة مطالبة بآخر ما انتهى إليه أمر التشريع في ذلك الزمان، وهو أيضًا التدرج الجاد الذي لا يتخذ من قضية التدرج مشجبًا ينيط به القعود عن السعي إلى تحكيم الشريعة، وتألف الأمة على قبولها، وتهيئة الأجواء لاستقبالها.
إن تحكيم الشريعة طريق طويل يبدأ بالإيمان بها، وتعريف الأمة بحقيقتها، وتهيئتها لاستقبالها، وتألف قلوبها على قبولها، وتهيئة الأجواء لتطبيقها، ودحض شبهات خصومها وأباطيلهم، ولا يزال الناس بخيرٍ ما داموا على الطريق؛ فإن لم يكونوا في خنادق الجهاد كانوا في خنادق إعداد العُدة، ولن يقوى حاكم من الحكام مهما أوتي من قُوَّة وعتاد أن يفرض هذا التغيير بين عشية وضحاها، ولو ولي بعض هؤلاء المعترضين أزمة البلاد ما كانوا أحسنَ حالًا ممن يعترضون عليهم، وقد ابتلي بعضهم بولاية محدودة على مستوى أحزاب لا تزال تعمل في الظل فتفرقت كلمتهم وتشرذمت صفوفهم وشمتوا أعداء الأمة بهم.
أما من يُشكِّكون في ولايته بسبب إجراءات انتخابه وقولهم: إنها لن تبدأ من أهل الحَلِّ والعَقد كما كان الأمر في الخلافة الإسلامية عبر القرون، نقول لهم: أليس قد اتفق أهلُ السنة على الإقرار بولاية المتغلب؛ درءًا للفتنة وجمعًا للكلمة، ودفعًا لمفاسد التشرذم، فأدنى ما يقال في ولايته على سبيل التنزُّل أنه والٍ متغلب؛ فقد ألقى إليه السواد الأعظم من الناس بمقاليد الحكم، ودانت له مؤسسات الدولة واعترفت له بمشروعية ولايته.
ولقد سئل سهل بن عبد الله التَّستُري: ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام؟ قال: «تجيبه، وتؤدي إليه ما يطالبك من حقه، ولا تنكر فعاله، ولا تفر منه، وإذا ائتمنك على سرٍّ من أسرار الدين لم تفشه»(1).
ومن ناحية أخرى فإن تراتيب اختيار الإمام وآلياتها ليست من قواطع الشريعة وثوابتها، وإنما هي من مسائل السياسة الشرعية التي تتغيَّر فيها الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال؛ ولهذا اختلفت من خليفةٍ إلى آخر في ولاية الراشدين، ومقصودها تحصيل الرضا بالإمام، وتعبيرها عن قبول الأمة به، وكونها تجمع بين قبول السواد الأعظم من الخاصة والعامة به، وإذا عرف مقصودُ الشارع سلك في تحصيله أوصل الطرق إليه، سواء أكانت البداءة في ذلك بالعامَّة أم الخاصة، ولا أعلم أحدًا ممن ينقل عنه العلم أو ينسب إلى الديانة في مصر من يفضل ولاية الفلول على ولاية مرسي، اللهم إلا إذا كان مغلوبًا على عقله.
أما إنشاء الكيانات الدعوية أو الأحزاب السياسية في ظل هذه الولاية؛ فقد أطلقت هذه الولاية حرية تكوين الأحزاب السياسية، والكيانات الدعوية، ولم يعُد تكوينها يمثل انقلابًا على السلطان أو خروجًا على ولايته، اللهم إلا ما كان من ذلك خيانة للأمة وانقلابًا على ثوابتها ومظاهرة لخصومها وانحيازًا إلى أعدائها في الداخل أو الخارج، أو استخدامًا للعنف في الحراك السياسي، وما يعنيه ذلك من بلطجة وقطع للطرق وترويع للسابلة.
وقد سبَق أن ذكرنا مرارًا أن مشروعيَّة تكوين التجمُّعات الدعوية رهن بأمرين: ألا تتحزب على أصل كلي من أصول فرق الضلالة وأهل الأهواء، وألا تُمثل خروجًا عن الطاعة أو انقلابًا على السلطان، الذي قبلت الأمة بولايته ويقيم فيها كتاب الله، أو يسعى إلى ذلك.
أما مشروعية إقامة الأحزاب السياسية فقد تولَّت النُّظم المعاصرة تفصيل القول في ذلك، والتسجيل القانوني للأحزاب هو المخرج من شبهة الانقلاب على السلطان؛ لأن السلطان نفسه هو الذي أقر هذه الضوابط وعقدت له البيعة على أساسها، وإن اشترط السلطان التسجيل القانوني للكيانات الدعوية كذلك- وهو لم يشترط- وجبت الطاعة له في ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر «تفسير القرطبي» (1/269).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend