حول قرار وزير الأوقاف باستبعاد الأئمة غير الأزهريين وعدم إقامة الجمعة في الزوايا

فضيلة العالم الجليل الدكتور صلاح الصاوي؛ لعل حضرتك بخير وسلام وأمان، أعمل تقريرًا صحفيًّا أرصد فيه آراءَ وتعليقات العلماء والدعاة والباحثين المهتمين، على قرار وزير الأوقاف بإلغاء 55 ألف ترخيص بالخطابة في المساجد، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا التي تقلُّ مساحتها عن 80 مترًا. فما تعليقكم على الموضوع؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلم أطلع على نصِّ قرار الوزارة بإلغاء تراخيص الخطابة للأئمة المتطوعين في المساجد، لأقف من خلاله على مضمونه بدقة، ليكون التعليق عليه على بصيرة.
وإن كان الأمر كما تداولته وسائلُ الإعلام فإنني أرجو أن يُعاد النظر في هذا القرار، وأن يُعقد لذلك اختبارُ قدرات: فمن اجتازه أُجِيز، ومن أخفق فيه أُرشِد إلى منهج علمي لمراجعته، والتقدُّم إلى الاختبار مرة أخرى، في المواقيت التي تُرتبها الوزارة لذلك، فإن هذا أقوم فيما يظهر لنا بالمصالح، وأحفظ لعِرض الوزارة والوزير حفظه الله في هذه الأجواء المحتقنة؛ لاسيما أن عدد المساجد يفوق الطاقة الاستيعابية الراهنة لخريجي الأزهر، وقد يكون في غير خريجي الأزهر بعضُ الكفايات المتميزة التي لا ينبغي أن نحرِمَ الأمة منها، مع كل الحب والتقدير والولاء لخريجي الأزهر، وأنا واحد منهم.
وإذا وُجِد خللٌ منهجيٌّ في بعض الـمُجَازين بالخطابة في هذه المساجد في الوقت الراهن، فلا يعني بالضرورة أن تهدم هذه الفكرة من الأساس، فلم يزل الناس يستخدمون وسائلَ النقل رغم وجود حوادث السير المروعة، ولم يطالب أحدٌ بإلغاء وسائل النقل تفاديًا لهذه الحوادث!
كما أرجو أن تكونَ المناصحة في ذلك بالحُسنى، وأن تستبعد الإثارة الصحفية، وأن تحلَّ محلها لغةُ الحوار، والمناصحة الهادئة الهادفة الموضوعية؛ حتى يمتهد السبيلُ إلى قبولِ النصيحة، وعدمِ إساءة الظن بالناصحين.
أما صلاةُ الجمعة في الزوايا والمساجد الصغيرة فلا شكَّ أن الأصل في الجمعة الاجتماعُ والتَّضامُّ، والاجتماع في المسجد الجامع، فمهما أمكن إقامةُ الجمع في المساجد الكبرى الجامعة، فلا ينبغي أن يعدل عن ذلك، فالصلاة في الجوامع الكبار التي يكثر فيها المصلون أكثرُ ثوابًا منها في المساجد الصغار التي يرتادها عددٌ أقل، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الله»(1).
ويكون الاستثناء بعد ذلك بقدرِ الحاجة، وهذا الذي نقرِّرُه في هذا المجال هو الذي أفتى به أهل الفتوى من القدامى ومن المعاصرين. وقد سئل الشيخ ابن باز : عن الصلاة في الزوايا فأجاب:
«……فالحاصل أن الزاوية بمثابة المسجد الصغير، يسمون المساجد الصغيرة زوايا في كثيرٍ من البلدان، فهذه الزوايا التي هي المساجد الصغيرة يُصلى فيها عند الحاجة إليها، وإذا كانت الحارة والحي فيه مساجد أكبر وأوسع فيصلى مع الكثرة، وتهجر هذه الزوايا، إذا كان هناك مساجد كبيرة تغني عنها، أما إذا دعت الحاجة إليها يصلى فيها والحمد لله ». انتهى نقلًا عن برنامج نور على الدرب من موقع سماحته.
وتطبيق هذا القول عمليًّا يحتاج إلى دراسات إحصائية ميدانية دقيقة، تتولاه الجهات المسئولة، ولا علم لي بخارطة الأوضاع على أرض الواقع، ولكن مبلغ علمي أن جل المساجد الكبرى والصغرى تمتلئ يومَ الجمعة، حتى تضيق بروادها، فيفترش المصلون الشوارع المجاورة للمسجد، فإن كان ذلك كذلك، فإن النصيحة تكون بالتوسُّع في إقامة المساجد الكبرى أولًا، والتأكد من استيعابها لجموع المصلين، ثم يُلتفت بعد ذلك إلى ترتيب أمور الزوايا والمساجد الصغيرة، ولا تكون البداءة بمصادرة الجمع في هذه المساجد!
أضف إلى ذلك أن سياسةً من هذا القبيل تحتاجُ إلى حملةٍ لتوعية الناس بدور المسجد في الإسلام عامة، ودور المسجد الجامع خاصةً وأهميته، وفضل الصلاة في المسجد على الصلاة في المنزل، وصلاة الجماعة على صلاة الفرد، وفضل المسجد الجامع على الزوايا الصغيرة، والحكمة من تجمُّع المسلمين كلَّ أسبوع في بيوت الله، وفضل صلاة الجمعة، بل يوم الجمعة الذي جعله الله عيدًا أسبوعيًّا للمسلمين، هذا هو الذي ينبغي استفاضةُ البلاع به قبل استصدار القرارات الإدارية الملزمة بذلك، ليحسن الناس استقبال هذه القرارات ولا يُسيئوا الظنَّ بها، لاسيما مع استصحاب ما ذكرناه آنفًا، من أنه في صلاة الجمعة تكتَظُّ المساجد والزوايا جميعًا بالمصلين، فكيف نغلق الزوايا والناس بالمساجد الجامعة يصلي قريب من ثلثهم بالشارع؟!
هذا ما تيسر التعقيب عليه في هذه العجالة، وابتهالنا إلى الله جل وعلا أن يُصلح حالَ الرعاة والرعية، وأن يأخذ بنواصينا جميعًا إلى ما يُحب ويرضى، وأن يحملنا جميعًا في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/140) حديث (21302)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «في فضل صلاة الجماعة» حديث (554)، والنسائي في كتاب «الإمامة» باب «الجماعة إذا كانوا اثنين» حديث (843)، والحاكم في «مستدركه» (1/375) حديث (904)، وابن حبان في «صحيحه» (5/405) حديث (2056)، كل من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ، وذكره ابن حجر في «تلخيص الحبير» (2/26) وقال: «أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وابن ماجه من حديث أبي بن كعب وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم وذكر الاختلاف فيه وبسط ذلك».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend