حول قتل ثلاثة مسلمين في نورث كالورينا حقدًا وكراهية للإسلام

هل لفضيلتكم من تعليق على قتل ثلاثة من خيرة شباب المسلمين ( ضياء أبو صالحه وزوجه يُسر وأختها رزان) في شقتهم بغير ذنب؟ وهل من كلمة عزاء ومواساة لأسرتهم؟ وهل يُعتبرون شهداء؟ وبماذا تنصحون الجالية المسلمة بهذا الشأن خصوصًا، وكيفية التعاطي مع ما يُشبه ذلك من أحداثٍ عمومًا؟ وجزاكم الله عنا خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فنحتسب عند الله عز وجل من سقطوا برصاص الحِقد والكراهية من إخواننا في نورث كالورينا بغيرِ ذنب ولا جريرةٍ، إلا أن يقولوا: ربنا الله.
رجل وامرأتان في مقتبل أعمارهم، قُتلوا في منزلهم ظلمًا وعدوانًا، وحقدًا وغلًّا على الإسلام وأهله، ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].
نسأل الله أن يبلغهم منازل الشهداء، وأن يفرغ الصبر والسلوى على قلوب أهليهم، اللهم ارفع درجتهم في المهديين، واخلفهم في عقبهم في الغابرين، واغفر لنا ولهم يا رب العالمين، وافسح له في قبورهم ونوِّر لهم فيها، اللهم آمين.
وإننا بكل نبضة في عروقِنا، وبكل خفقة في قلوبنا نَدينُ هذه الجريمةَ النكراء، وندين الثقافةَ التي أفرزتها، والحشدَ الإعلامي الكذوب الذي يروِّج لهذه المشاعر السلبية، ويشحن الصدورَ بمشاعر الكراهية والحقد ضد الإسلام وأهله عامة، وضد الجاليات المسلمة المقيمة في هذا البلد خاصة، ونضم أصواتنا إلى الحشود الحاشدة التي خرجت تستنكر هذه الجريمة البشعة، من المسلمين وغير المسلمين، ونطالب بإعلانها جريمةً من جرائم الكراهية والعنصرية، وإعلان ذلك بوضوح في وسائل الإعلام الكبرى، وبتوقيع عقوبة القصاص العادل على مرتكبها وكشف من يدعمونه ويقفون وراءه.
ونؤكد على أن إدانتنا لهذه الجريمة وإنكارنَا لهذا الحدث ينبغي أن ينضبط بضوابط الشريعة والقانون، وأن لا نستدرج إلى ردود أفعال طائشة هوجاء، يستثمرها إعلام متربص، في إشعال مزيد من نيران الفتنة، ويستظهر بها في تهييج مزيد من مشاعر الحقد والبغضاء، فنُعطي خصومنا ما يقاتلوننا به، وما يستطيلون على أمتنا وملتنا من خلاله.
إن فيما كفلته القوانين في هذا البلد من حريَّة التعبير والمعارضة والإنكار، وما نظمته في هذه الصدد من وسائل قانونية وسياسية، غنية عن التصرفات الطائشة وغير المسئولة التي يربو ضرُّها على نفعِها، وفسادُها على صلاحِها.
وإننا في الوقت الذي ندين فيه هذا العدوان الغاشم، لنثَمِّنُ ونقدر أصواتَ العزاء والمشاركة، وجهود المواساة والمؤازرة، التي قام بها فريق من جيراننا من غير المسلمين في هذا البلد، ممن سارعوا إلى شجب هذه الجريمة، وآزروا جهودَ جيرانهم من المسلمين في إنكارها والمطالبة بتوقيع عقوبة القصاص العادل على من تولى كبرها.
وإن هذا الحادث- على بشاعته وشناعته- لا يحملنا على التعميم الظالم في الأحكام، ولا يخرجنا عن جادة العدل والوسطية في التعامُل مع الآخرين، ونُدرك أنَّ هذا البغيَ لا يُمثِّل سياسةً عامة ينتهجها جيرانُنا من غيرِ المسلمين شركائنا في الوطن وفي المواطنة، فقد لقينا من سوادهم الأعظم حُسنَ الجِوَار، والحرصَ على إشاعة السلام الاجتماعي، والرغبةَ في مدِّ جسور التعاوُنِ والتفاهم مع جيرانهم من المسلمين، ومواساتِهم في أوقات المحن والشدائد، فلا نُحمِّل السوادَ الأعظم وِزرَ جنايةٍ تولَّى كبرَها عُتُلٌّ من الأشرار أو زنيمٌ من الفُجَّار. ولا يُؤخذ أحدٌ بجريرة غيرِه، وبالعدل قامت السموات والأرض، فإن سُنَّة الله وعدلَه في عباده الذي ضمَّنه كتبَه وبعث به رسلَه أن لا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى، كما قال تعالى:﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: 36-41].
ولا تزال ذاكرة تاريخنا الإسلامي تختزن هذا المشهد عندما ورَدَ على الحجاج بن يوسف سليك بن سلكة فقال:أصلح الله الأمير أرعني سمعَك، واغضض عني بصرك، واكفف عني غُرابَك- حد السيف- فإن سمعت خطأً أو زللًا دونك والعقوبة. قال: قل. فقال: عصى عاصٍ من عُرض العشيرة؛ فخُلق على اسمي- أي منع من العطاء- وهدم منزلي، وحرمتُ عطائي. قال: هيهات. أو ما سمعت قول الشاعر:
جانيكَ مَن يَجني عَلَيكَ وَقَد *** تُعدي الصِحاحَ مَبارِكَ الجُربُ

وَلَرُبَّ مَأخوذٍ بِذَنبِ عَشيرَةٍ *** وَنَجا المُقارِفُ صاحِبُ الذَنبِ(1)

قال: أصلح الله الأمير! إني سمعت الله عز وجل يقول غير هذا. قال: وما ذاك؟ قال:﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾ [يوسف: 78- 79].
فقال الحجاج: عليَّ بيزيد بن أبي مسلم. فمثل بين يديه. فقال: افكُك لهذا عن اسمِه، واصكك له بعطاء، وابن له منزلَه, ومُر مناديًا ينادي: صدق الله وكذب الشاعر(2).
وإننا لنؤكد لجيراننا وللعالم أجمع أننا وإن كنا جُزءًا من أمة الإسلام في باب الديانة، فإننا جزءٌ من هذا المجتمع في باب المواطنة، ولا نرى تناقضًا بين الانتماء الديني والانتماء الوطني، ما دام عقدُ المواطنة لا يشتمل على تجريمٍ للتديُّن، أو مصادرةٍ للحق في ممارسة شعائر دينه أو الدعوة إليه، ويكفل المساواة في الحقوق بين الجميع.
فالمجاورة في الأوطان رابطةٌ للتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهُم، سواء أتمَّ اكتسابُها بالتجنس أم بحُكم الميلاد، وهي ميثاق على البرِّ والقسط والسلامة من الأذى، وتُنشئ لُـحمة اجتماعيةً يترتب عليها واجبات وحقوق متبادلة، وتجعل أصلَ حُرمة الدماء والأموال والأعراض والمرافق العامة مشتركًا بين الجميع، ولا مساس بشيء من ذلك إلا وَفق ما تُحدِّده القوانين والنظم السارية.
كما نُؤكد إيمانَنا بأن رسالة الإعلام في الفضاء العالمي ينبغي أن تسعى إلى تأصيل ثقافة التعايش والتواصل الحضاري البنَّاء مع مختلف الثقافات والأيديولوجيات، وكشف دعاوَى المروِّجين لعداء التديُّن للحضارة المعاصرة؛ بهدف إثارة الفزع من الإسلام والمسلمين، وفرض ثقافة القطب الواحد على العالم برُمَّته، والتناهي عن توظيف الإعلام لإفساد القِيَم الأخلاقية، وإثارة الفتن وتأجيج الصراعات، والترويج للانحراف والرذيلة.
نُكرر إدانتنا لهذه الجريمة النكراء، ومطالبتنا بإعلانها جريمةً من جرائم الكراهية والعنصرية، ونجدد دعاءنا للضحايا بالرحمة والمغفرة، وأن يبلغهم الله منازلَ الشهداء، كما نُكرر عزاءَنا لأُسَرِهم وابتهالَنا إلى الله عز وجل أن يفرغ على قلوبهم صبرًا، وأن يجمعهم به في مستقر رحمته، والله من وراء القصد.

_____________________
(1) البيتان لذؤيب بن كعب، شاعر جاهلي، وهما من بحر الكامل.
(2) «البداية والنهاية» لابن كثير (9/124).

تاريخ النشر : 23 يونيو, 2025

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend