شيخنا لا يخفى عليكم تطوُّر الأحداث وتصاعدها وازديادها ضراوة وقساوة على كل ما يمتُّ إلى الإسلام وشريعة الله بصلة في مصر، ولا يخفى عليكم أيضًا من انتشار البلطجية بتواطؤ مع الشرطة والجيش، وهم منتهبو الأموال ومنتهكو الأعراض والحرمات وسافكو الدماء، ليس لهم رسالة غير المال والنفوذ، مثلهم مثل الأحباش على عهد رسول الله، والمرتزقة في عصرنا، وهم من نزل فيهم حدُّ الحرابة، ولا يخفى عليكم أن الأمور في مصر تسير بصورة سريعة جدًّا مثل واقع سوريا.
فهل إلى خروج من هذه المحنة وصدِّ هذا الطغيان وردعه بالسلاح؟ حيث إنني لم أحتمل رؤية تهجم البلطجية على النساء والمحجبات والمنتقبات في الشارع وسرقة حليهن ونزع النقاب من على وجوههن، كما لم تفعله بنُو صهيون في فلسطين، سواء من الشرطة أو الجيش أو البلطجية المحتمين بهم، غير السطو المسلح على الآمنين.
أنا لست ممن يحتمل أن يكون مثل ما جاءنا من تاريخ التتار؛ بأن يأتي البلطجي ليقول لي انتظر حتى آتي بالسلاح لأقتلك لأنك مُلتحٍ. لن ولم أحتمل أن يحدث هذا!
وكيف أضع قوله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ»(1)؟!
أفهم من هذا هو حمل السلاح لدفع المعتدي والقاتل والمرتزقة والدفاع عن عرضي ومالي ونفسي وديني.
__________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأنَّ من قُتِل دون ماله فهو شهيد» حديث (140) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإننا نُقدِّر المرارة والأوجاع، ونقدر قساوةَ السلب بعد العطاء، ولكن الإصرار على السلمية أيها الموفق كان موضع إجماع كل من شارك في المشهد السياسي بوجه من الوجوه من المشتغلين بالعمل الإسلامي، واتفقت الكلمة على أن قوةَ هذه المقاومة في سِلمِيَّتِها، وأن ترسانة العمل السلمي لا تزال تمتلك الكثير من الوسائل الفعَّالة، فلكي ينتقل العمل من السلمية إلى المواجهة، ينبغي أن يكون ذلك عن رضًا وتشاور مع الجميع، فإن المؤمنين أمة واحدة سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
فلا يحل لفريق من المسلمين أن يجرَّ سائرَ إخوانه إلى مواجهة عامة بتصرُّف فردي، لا يرجعون فيه إلى أهل الحل والعقد منهم، وأهل الحل والعقد متفقون فيما أعلم على السلمية إلى آخر رمق، وأنهم لن يسمحوا بجرِّ البلاد إلى المشهد السوري بحال من الأحوال، مهما كانت التضحيات!
وإن أغلب الأنظمة القمعيَّة تتمنى من خصومها اللجوء للعنف حيث الملعب المفضل لها، والذي تتفوق فيه، هي دائمًا تحاول تصويرهم بأنهم مجموعات مخربة وعنيفة، ولهذا فإن عليهم ألا يظاهروا على أنفسهم في ذلك، وقد ترتكب النظم أعمالًا تخريبية وتنسبها للمقاومة، وهو أمر شائع في الديكتاتوريات، وما أمر كنيسة القديسين ببعيد!
وغالبًا ما يكون الهدف منه الاحتفاظ بالدعم الدولي، وخداع عموم الناس، وتبرير العنف ضد المقاومين.
ولا يتنافى ذلك مع التمييز بين مرتكبي العنف، وتحديد طريقة التعامل مع كل طرف، فقوات الجيش والشرطة تختلف عن قطاع الطرق والمأجورين، إن السلاح الأساسي في السلمية هو عموم الناس وتعاطفهم الشعبي، وبالتالي يتم التعامل مع مرتكب أعمال العنف بالطريقة التي يتقبلها عموم الناس، وتزيد تعاطفهم مع حركة المقاومة، لأننا نخاطِبُ الناس في حدود الشرعية التي يعقلونها، وليس من الحكمة أن تلقي سلاحك الأساسي (الجماهير) لترد على القمع، لأنه لا يمكن الانتصارُ سواء في مواجهة سلمية أو غير سلمية بدون دعم شعبي، فإن كان التجاوُب الشعبي ضعيفًا فهذا يعني أن الظروفَ ليست مواتية بعد.
ومن أجل لذلك فإن تحديد البوصلة في حدود الردِّ وكيفيته يكون بالإجابة على هذا السؤال: ما الذي يزيد من تمسكك بسلاحك الأساسي (التعاطف الشعبي)؟ فإعلان السلمية التام أمام قوات الجيش والشرطة هو المقبول شعبيًّا، وهو الأرضى لله شرعيًّا، كما أن الإمساك بقُطَّاع الطرق والمأجورين قد يكون مقبولًا شعبيًّا، يختلف ذلك من بلد إلى آخر، بحسب ثقافته ووعيه بمفهوم العنف، ونظرته لهذه الأطراف.
ومما يقلِّل من خسائر السلمية وآثارها الجانبية تطوير آلياتها، وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة، من خلال استخدام الوسائل السلميَّة، التي لا تعتمد التدخل المباشر، مثل الإضرابات، أو الإرهاق الإداري للخدمات، المقاطعة الاجتماعية للعاملين في النظام، وعمل أنشطة قادرة على خلق حوار واسع مع هذه الشرائح (هم وعائلاتهم)، وسحب الودائع المصرفية ( يحتاج إلى مراجعة الخبراء)، والمقاطعة الاقتصادية لبعض المؤسسات، وهناك الكثير من وسائل الفعل غير المباشر التي يمكن اللجوء إليها.
ويكون التفكير عموما ليس فقط في كيفية التصدِّي للقمع، بل في كيفية رفع تكلفته على الخصم، ويجب الحرص على أن لا تصبَّ الخُطوة التي ستقوم بها في صالح خصمك.
هذا. وإن الإصرار على السلميَّة في مقابلة القمع الوحشي من قبل النظم الدكتاتورية قد يؤدي إلى:
• زيادة التعاطف الشعبي.
• تصدع في معسكر الخصم وبداية الانشقاقات.
• تعاطف المجتمع الدولي.
• تذبذب موقف الدول الداعمة للنظام الديكتاتوري.
فمزيدًا من الصبر، ومزيدًا من التشاور مع أُولي الأمر في جماعة المسلمين، ومزيدًا من الربانية؛ فما النصر إلا من عند الله. والله تعالى أعلى وأعلم.