جهاد اليهود على أرض سيناء دون إذن الإمام

الشيخ الفاضل. تدور في مصر أحداث في سيناء، ويدعي البعض من الإسلاميين الذين يُريدون الجهاد أن هذا جهاد الصهاينة.
السؤال: هل يجوز لهم الجهاد دون إذن الإمام؟ وهل يجوز قتلُ الجنود المصريين إذا منعوهم من الوصول إلى اليهود؟ وما الذي تراه مُناسبًا في مثل هذا المكان والذي يُحقق الجهاد ويرضي رب العباد؟ وفَّقكم الله لما يحبه ويرضاه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الجهادَ من الأمور العظام التي تُفوَّض في الأصل إلى نظر الإمام؛ فإن لم يوجد فإلى علماء الأمة الكبار وأهل الحَلِّ والعقد فيها؛ حتى لا تُجَرَّ الأمة إلى المحرقة بفعل فئة قليلة منها مهما قِيل عن إخلاصهم ونقاء سرائرهم؛ وذلك لأن المخاطَب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا في حالات دَفْع الصيال، أي إذا فاجأهم عدوٌّ يخافون شرَّه وأذاه فحينئذٍ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال في هذه الحالة.
فلا ينبغي في منطق العُقلاء أن ينفرد بالقرار في أعمال الجهاد مجموعات تطوعية متناثرة هنا وهناك، تُغرِّر بحاضر الأمة ومستقبلها، وتخوض في الجهاد بغير خطط مرسومة، ولا مراحل معلومة، ولا حسابات دقيقة، ولا توقيتات مناسبة، ولا قيادات مؤهلة، فيتحول إلى فوضى عارمة، ضرها على المسلمين أعظم من نفعها، وتجر الأمة بذلك إلى مواجهات غير محسوبة لا تؤمن عواقبها.
وقد فرق أهل العلم بين جهاد الدفع الذي لم يشترطوا فيه إذنًا من أحدٍ، وبين جهاد الطَّلب وجهاد الفتح والدعوة إلى الله U، والذي يختار المسلم توقيته زمانًا ومكانًا، فهذا الذي لابد فيه من الرجوع إلى القيادة المسلمة، وهو الذي قال فيه ابن قدامة :: «وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك»(1).
وقال الماوَرْدِيُّ: «فرض الجهاد على الكفاية يتولَّاه الإمام ما لم يتعين»(2).
فحيثما وُجد السلطان المسلم الذي لا ينتحل العلمانية، ولا يعلن الكفر بمرجعية الشريعة، ولا يتوجه بشعائره التعبدية لغير الله U، فلزوم جماعته واجب، ويكون لزوم طاعته في غير معصية لزومًا للجماعة التي أمر النبي صلى الله عليه سلم بلزومها، وحذر من مفارقتها(3)، ويكون التآمر عليه والتحريض على الانقلاب عليه بغيًا وانسلالًا من الربقة، ومفارقة الجماعة. وحيثما شغر الزمان عن مثل هذا السلطان، فلزوم جماعة العلماءِ وأهل الحل والعقد في جماعة المسلمين، وهم الذين يوجهون الأمة، ويقودون مسيرتها على وفاق الشريعة.
والخلاصة أن القول بأن الجهاد على أرض سيناء هو جهاد للعدو الغاصب، لا شأن للدولة به، ولا ينبغي له أن تقف في طريقه، ومن وقف في طريقه قاتلناه، قول يحتاج إلى مراجعة جذرية.
إن سيناء أرض مصرية، والدولة المصرية مسئولة عن كل ما يقع على أرضها: دستوريًّا وقانونيًّا، محليًّا وعالميًّا، ولا تستطيع القيادة المصرية أن تتنصل من المسئولية عما يقع على أرضها، وتُحيل التبعة عن ذلك إلى غيرها، وإلا قيل لها: إن كنت عاجزة عن السيطرة على هذه الأرض فدعيها لمن يقدر على السيطرة عليها، وخلي بيننا وبينها نكفك أمرها.
ولو كان لهؤلاء عذر فيما مضى عندما كانت القيادة تعلن انحيازها إلى الغاصبين، وتتخذهم أولياء من دون المؤمنين، فما عذرهم اليوم في ظل قيادة تجهر بولائها لله ورسوله، وتعلن انحيازها إلى جماعة المسلمين؟!
لقد نازع من نازع من قيادات العمل الإسلامي في هذا الشرط فيما مضى؛ نظرًا لعلمانية الراية وعلمانية القيادة، وعمالتها السافرة لأعداء الأمة والملة، فكان من أنواع الجهاد يومئذ ما يتجه إليها في جملة ما يتجه إليه سياسيًّا كان أو دعويًّا، فلا يستقيم القول باستئذانها في مجاهدتها؟! والرجوع إليها في تبصير الأمة بعمالتها وجرائمها؟! ولكن كيف يستقيم ذلك في ظل ولاية إسلامية منعقدة؟! وراية إسلامية مشروعة.
والقياس على ما كان من أبي بصير(4) بعد صلح الحديبية قياس مع الفارق، فأبو بصير لم يكن مقيمًا بالمدينة، يحارب أهل مكة من داخلها، بل كان ممنوعًا من الإقامة فيها بمقتضى هذا الصلح، ومن ثم لم تكن الجماعة المسلمة في المدينة مسئولة عن أعماله، ولو كان مقيمًا داخل المدينة وباشر أعماله تلك من أرضها لكان للنبي صلى الله عليه وسلم  معه شأنٌ آخر، فأين هذا من أعمالٍ تنطلق من أرض مصرية، وفي ظل دولة لا تزال مكبَّلة بمواثيق السلام مع دولة الاحتلال، ولا تمكنها ظروفها الراهنة من أن تنبذ إليهم على سواء.
والقول بأن جهادنا لهذا لعدوِّ جهاد دفع، لا يشترط فيه إذن من أحد، قول يحتاج إلى مراجعة، لقد استطال هذا الصائل واستمكن من هذه الأرض، وألقى فيها بجِرَانه وباض فيها وأفرَخَ، وظاهرَتْه على بغيه وعدوانه أعتى قوى الأرض، واستمر ذلك عقودًا متطاولة من الزمن، ودَفْعه عنها يحتاج إلى إعداد عدة، وتجييش جيوش، وثمة مواثيق أو شبهة مواثيق تربطنا به، ولكي ننقض هذه المواثيق لابد من أن ننبذ إليهم على سواء، وقد علم القاصي والداني أننا لسنا في الوضع الذي يمكننا من ذلك في الوقت الراهن.
أما ما كان من هؤلاء أو نُسب إليهم من قتل بعض الجنود من المسلمين في شهر رمضان، وفي وقت الإفطار، فلعمر الحق إنه لجرم تعجز كل مفردات اللغات عن تسويغه أو الاعتذار عنه، وقد رفع أمر هؤلاء المظلومين إلى الله عز وجل، وعند الله يجتمع الخصوم، وسوف يوقف هؤلاء وهؤلاء على ربهم، فيقضي بينهم بعدله، وصلوات الله على من قال: «لَنْ يَزَالَ الْـمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»(5).
وبقيت كلمة أخيرة: إن استطالة فريق من هؤلاء أو بغيهم لا تسوغُ الاستطالة لمقابلة من قِبَل السلطان، بحيث يؤخذ برأيٍ بظَنَّينٍ، ولا يُفرِّق بين مدانٍ وغير مدان، فنرجع بالأمة بذلك إلى سنوات القهر والحيْفِ والاستبداد البغيضة الماضية، وقد تجرعت الأمة من وراء ذلك الغُصص، وعانت من الويلات والأهوال والفجائع ما عانت.
فتقول لقيادتنا: بالعدل قامت السموات والأرض، ولقد جربتم وقع الظلم ومرارته، وعانيتم أهوالَه وفجائعه، فاتقوا الله في أنفسكم وفي أمتكم، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى(6)، وعرفوا الناس جميعًا كيف يكون العدلُ وضبط النفس عندما يحكم الإيمان وتسوس الشريعة.
فاللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «المغني» (9/202-203).
(2) «الإقناع» للماوردي (1/175).
(3) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/18) حديث (114)، والترمذي في كتاب «الفتن» باب «ما جاء في لزوم الجماعة» حديث (2165) من حديث عمر بن الخطاب t أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ؛ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْـجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْـجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْـمُؤْمِنُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(4) القصة أخرجها البخاري في كتاب «الشروط» باب «الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط» حديث (2734) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ب.
(5) أخرجه البخاري في كتاب «الديات» باب «قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾» حديث (6862) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend