تطبيق الشريعة في قبيلة يمنية مخالفة للحكومة

هل نكفُّ عن تطبيق الشريعة لأننا لسنا بدولة بالمفهوم الحالي المتعارف عليه؟
نحن قبيلة من قبائل اليمن تتحاكم فيما بينها بالكتاب والسنة على مساحة ما من الأرض لا بأس بها، والقبائل المجاورة تعلم والحكومة تعلم أيضًا ذلك.
علمًا بأننا كبقية القبائل سنتحاكم بأنفسنا مهما كان؛ إما بشريعة أو بجهالات وعادات خزعبلاتية، وقد كنا في الماضي نتحاكم بغير ما أنزل الله، حتى كان هناك مصري عابر سبيل رآنا نتحاكم فقال لنا: أنتم واجب أن تتحاكمو فيما بينكم بالشريعة لأن الواقع غير واقع القاهرة مثلًا.
وقال: إن رضيتم بهذه الأحكام و لم يكن معكم ما تُعذرون به فأنتم كافرون.
ومن أمثلة أحكامنا:
إن رفع الرجل منا السلاح مهددًا أخاه من غير قبيلتنا ثم أدخل السلاح في غمده، فكان من حكمنا في السابق أن من رفع السلاح و لم يَقتل أو على الأقل يَطعن به خصمَه وجب عليه ذبح بقرة.
أيضًا إذا زنت البنت قتلناها. و هكذا.
وهكذا كنا نتحاكم حتى جاءنا هذا المصري وبعدما كَفَّرنا أو خوفنا من الوقوع في الكفر سألناه: أتعرف أنت أن تحكم بيننا بالقرآن والسنة؟ قال: نعم. فجعلناه قاضيًا لنا يحكم بما أنزل الله، والحدود من جملة ذلك، والكل يعلم عنا ذلك، فهو حكم على مسمع و مرأى من الجميع و على رأسهم الحكومة.
مع العلم أنه كان يرد حدودًا كثيرة، مثل حد السرقة كان يرده بالفقر أو الجهل وسعى في تعليم الناس. وقبيلتنا هذه تُعرف بين القبائل المجاورة بأنها قبيلة عدل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن أهل الإسلام يلزمهم التحاكم إلى ما أنزل الله أفرادًا وجماعات، فقد قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، ونفى الإيمان عن من لم يحكِّموا رسول الله في خصوماتهم فقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
ومن عجز عن تحكيم الشريعة على المستوى السياسي بسبب الأنظمة القمعية والسياسات العلمانية فإن في التحكيم المجتمعي متنفَّسًا ومخرجًا، ومن خلاله يتم تحكيم الشريعة على المستوى الاجتماعي في مسائل الأسرة والمسائل المدنية والتجارية، وهو أمر ممكن ومقدور، وتقره الأنظمة الوضعية المعاصرة، ولا تعتبره خروجًا عليها ولا انتقاصًا من سياستها.
وقد تحدث خصوصية في بعض المواضع فيتمكن أهلها من تطبيق الشريعة في دائرة العقوبات كذلك، فإن تيسَّر ذلك ولم يعتبر خروجًا على السلطان، ولم يفض إلى المفاسد التي تترتب على الإعلان بالخروج عن الولاة- فلا ينبغي التقصير في ذلك، فقد خاطب الله الأمة برد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله، فمهما أمكن إقامة ذلك فلا ينبغي التقصير فيه.
ولعل من نافلة القول أن أهليَّة الفتوى والتحكيم تختلف عن أهلية الدعوة والموعظة العامة، فالإفتاء والقضاء أو التحكيم في حاجة إلى الفقية الحاذق الفطن، ولن يعدم أهل الدين أمثال هؤلاء إن جدوا في طلبهم وصبروا أنفسهم على ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend