بين التصويت بنعم أو التصويت بلا على الدستور المصري(2)

ألا ترى أن تصنيف الفريقين في قضية الدستور بين إسلاميين وعلمانيين هو تصنيف جائر ولا يعكس الواقع الحقيقي؟ فأين تضع حزب عبد المنعم أبو الفتوح، وجزء كبير من الأزهر، وكثير من المثقفين الإسلاميين أمثال عبد الرحمن يوسف القرضاوي وآخرين. إن مثل هذه التصنيفات توقع من يستخدمها في جرم تكفير المسلمين وأنا أربأ بك من أن تقع في هذا يا شيخ صلاح.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن ما ذكرنا من أن رفض هذا الدستور قد يُؤدي إلى تعويق الاستقرار المنشود، ويتيح الفرصة لخصوم الشريعة ليدخلوا البلاد في سلسلة جديدة ومتواصلة من الحرائق والويلات، لا يعني أن كل من يصوت برفض الدستور من خصوم الشريعة أو من الكارهين لها أو من الفلول وبقايا النظام الفاسد بالضرورة، بل نجزم أنه قد يكون في هؤلاء من هم أغير على الدين من بعض المؤيدين للدستور، وأنه ما يحمل بعضهم على الرفض إلا مزيد من الغيرة على الدين، ومزيد من تعظيم شعائر الله عز وجل.
فلا يعني ترجيحنا للتصويت بالموافقة على الدستور اتهامَ الفريق الآخر بالجملة، وحشده مع معسكر الكارهين للشريعة بالجملة، أو ادعاء أفضلية مطلقة للدستور، والتعامل معه وكأنه قبس من التنزيل، معاذ الله من هذا، ونبرأ إلى الله من ذاك!
والقضية كما ترى قضيةُ موازنات بين مصالح ومفاسد تداخلت، ومنافع ومضار تمازجت، والذي ترجح لدينا هو ما ذكرناه لك.
ونعتقد أن الفريق الآخر مُخطئ في تقديره لهذه المصالح، وأنه يضم أخلاطًا من الناس:
فمنهم من كان باعثُه إلى الرفض الخصومةَ مع الدين، وهؤلاء غلاة العلمانيين، ومنهم من كان باعثُه إلى الرفض تصديقَه لما شوَّش به عليه هذا الفريق، وقابليتَه للتأثر بهذه الدعايات الخبيثة، مع بقاء محبته للدين في الجملة، وهذا هو حال الكثرة الكاثرة من هذا الفريق.
ومنهم من كان رفضُه من منطلق حقوقي ووطني بحت، فيرى أن كفالة الحقوق والحريات العامة في هذا الدستور لا ترقَى إلى مستوى طموحات الثورة والثوار.
ومنهم من كان رفضُه حرصًا منه على الانتصار للدين، وغيرة منه على الحقوق والحرمات الأساسية، وخشيته من أن تؤدي الموافقة على الدستور إلى تكريس بقايا للعلمانية يعسر التخلص منها في المستقبل، لكنه أخطأ في تقديره للمصالح والمفاسد، وبنَى موقفه على هذه الحسابات الخطأ، وهؤلاء إخوة كرام لهم كل المودة والتقدير، حرماتهم مصونة، وحقوقهم مكفولة، ولكننا نقول لهم: إنه على الرغم مما لديكم من نبل القصد وطهر المنطلق، فكم من قاصد للخير لا يُصيبه! وما أندر أن يجتمع الإخلاص والصواب! واعتصامكم بما عليه جمهور أهل العلم نحسبه أبرأ لذمتكم، وأرضى لربكم.
أما جُرم تكفير المسلمين بمطلق الذنوب، فتلك فتنة الخوارج التي نبرأ إلى الله منها، فكل من شهد لله بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام، ولم يتلبس بمكفر جلي قطعي؛ فقد ثبت له عقد الإسلام، بالغة ذنوبه أو بِدَعُه ما بلغت! وحسابه على الله؛ فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116].
وإن محبتنا للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هي التي تجعلنا نقول له: يا صاحب الفضل والسابقة والتاريخ المجيد! لا تقف في المكان الخطأ؛ فإن اصطفافك مع إخوانك أولى بك وأليق بتاريخك، وندعو له الله جل وعلا أن يأخذ بناصيته إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يحمله في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend