بين التصويت بنعم أو التصويت بلا على الدستور المصري 2012(1)

الأمر صعب عليَّ، سواء قلت نعم أو لا، صعب للغاية، المآل في حالة قول لا يصب في صالح العلمانيين ومن والَاهم، والمآل في حالة قول نعم لن يختلف كثيرًا فها نحن قد رأينا قول نعم في الإعلان الدستوري لم يجعلهم يرضخون أو يذعنون، وظلوا يعادون الإسلاميين حتى بعد انتخابات مجلس الشعب، ونحن الذين نخضع للضغط كل مرة، فلا أجد في قول نعم درءًا للمفسدة كذلك، بالإضافة إلى العوار الشرعي في الدستور الذي يحتاج أن يكون أكثر إحكامًا وضبطًا.
قول نعم قد يكون أقل وطأة فقط، ولكنه لن يؤدي إلى استقرار (نتيجة للتجربة السابقة في الاستفتاء السابق) ولن يؤدي إلى تطبيق الشريعة للأسف؛ لأن حامليها في الصفوف الأمامية لا يقدرون على التصدي للضغط سواء الإعلامي أو الميداني، ولا يستغلون ضغط الشارع عندما ينزلون بالملايين من أجل الشريعة، بالله عليك شيخنا أنا في حيرةٍ من أمري، فأرجو منك الرد والتبيين، عسى أن يكون هناك أمر يخفى عليَّ وتعلمه.
ثم كيف لنا أن نضمن بعد تجربة (البرلمان، واللجنة التأسيسية) أنه عندما ننتخب الإسلاميين ثانيةً سوف يُحكِّمون الشريعة ولا يخضعون للضغط مرةً أخرى.
أحتاج:
1) التأصيل الشرعي إن أمكن.
2) ضمانة أنه إذا جاز حقًّا أن يكون من قبيل المصالح والمفاسد أن المفسدة سوف تدفع وإن المصلحة سوف تحقق. (بالطبع لا أقصد الغيب ولكن رجاحة المصلحة التي لم تحقق من قبل عن تجربة. ودفع المفسدة بعد الاستفتاء).

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالذي يظهر لي هو التصويت بنعم على هذا الدستور، ليس لأفضليته المطلقة، بل لأفضليته النسبية في ظل الظروف التي أُعِدَّ فيها، والأجواء التي انعقدت فيها اللجنة التأسيسية وباشرت فيها عملها؛ فقد كانت تعمل تحت القصف العلماني. وهذا أحسن ما قدرت عليه، والعاقل لا يضيع أصل المصلحة تشوفًا إلى كمالاتها، ولا يزال الطريق مفتوحًا لمزيد من التطوير واستصلاح الأمور بعد ذلك، وتجري المشاورات مع الخبراء من الآن حول بعض المواد المقترحة للتعديل، ولكن ينبغي أن نعبر هذه المرحلة الانتقالية، وأن تستوي سفينة الوطن على الجودي، وأن تلتقط مؤسسات الدولة أنفاسها، وأن تفوَّت الفرصة على من يريدون إطالة أمَدَ هذه الفترة الحرجة يمرحون فيها ويرتعون، ويشعلون فيها الحرائق كما يشاءون، ومبنى الشريعة على تحقيق خير الخيرين ودفع شر الشرين، وعندما تختلط عليك الأمور في مثل هذه المواقف استطلع فيها رأي من تثق في دينه وعلمه من أهل الفتوى وأهل الخبرة، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].
فليس بيننا الآن يا بني نبيٌّ معصوم يأتيه القول الفصل من السماء، فلم يبق أمامنا إلا التشاور، واستفراغ الوسع وبذل الجهد في الموازنة بين المصالح والمفاسد، والتعرُّف على خير الخيرين لتحقيقه وشر الشَّرَّين لتفادِيه، وقد رأيت موقف جماهير أهل العلم من حولك، ولن يضيعنا الله عز وجل .
ولكن بقيت مسألة مهمة: إن ما ذكرنا من أن رفض هذا الدستور قد يؤدي إلى تعويق الاستقرار المنشود، ويتيح الفرصة لخصوم الشريعة ليدخلوا البلاد في سلسلة جديدة ومتواصلة من الحرائق والويلات، لا يعني أن كل من يصوت برفض الدستور من خصوم الشريعة أو من الكارهين لها، بل نجزم أنه قد يكون في هؤلاء من هم أغْيَر على الدين من بعض المنتسبين إلى المعسكر الآخر، وأنه ما يحملهم على الرفض إلا مزيد من الغيرة على الدين، ومزيد من تعظيم شعائر الله عز وجل ، فلا يعني ترجيحنا للتصويت بالموافقة على الدستور اتهامَ الفريق الآخر بالجملة، وحشده مع معسكر الكارهين للشريعة في سلة واحدة، معاذ الله من ذلك ونبرأ إلى الله منه!
والقضية كما ترى قضية موازنات بين مصالح ومفاسد، والذي ترجح لدينا هو ما ذكرناه لك، ونعتقد أن الفريق الآخر مُخطئ في تقديره لهذه المصالح، وأنه يضم أخلاطًا من الناس: فمنهم من كان باعثه إلى الرفض الخصومة مع الدين، ومنهم من كان باعثُه إلى الرفض تصديقَه لما شوَّش به عليه الفريق الأول، وقابليَّتَه للتأثر بهذه الدعايات الخبيثة، مع بقاء محبته للدين في الجملة، ومنهم من كان رفضُه بناءً على خطأ في تقديره للمصالح والمفاسد، مع براءته من معسكر الكارهين للشريعة، وبراءته منهم، وتأوَّل أن الموافقة على الدستور تُؤدي إلى تكريس بقايا للعلمانية يعسر التخلص منها في المستقبل.
ونقول لهؤلاء: إنه على الرغم مما لديكم من نُبل القصد وطُهر المنطلق، فكم من قاصد للخير لا يصيبه! وما أندر أن يجتمع الإخلاص والصواب! واعتصامكم بما عليه جمهور أهل العلم نحسبه أبرأ لذمتكم وأرضى لربكم. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend