لا يخفى على فضيلتكم الأحداث العصيبة التي تمرُّ بها مصرُ حاليًا، والاضطهاد الذي يقع على الإسلاميين من النظام، وللأسف من عددٍ ليس بالقليل من أهلها والذي لم يسبق له مثيل حتى في ظل دولة مبارك, فتراودني نفسي بالهجرة لأي بلد حتى وإن كانت غير مسلمة طالما أنه لن يقع على المرء ظلمًا كما هو الحال الآن في مصر. فما رأي فضيلتكم في قرار الهجرة من عدمه؟ وما هي البلدان التي ترون فيها خيرًا للهجرة إليها إن كانت الهجرة في تلك الظروف مشروعة؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن كنت تعمل مع رفقة دعوية فينبغي التشاور معها، فما اشتور قوم في أمر قط إلا هدوا إلى أرشد أمرهم(1).
ومن أدب العملِ الجماعي أن لا تتسلل لواذًا، وأن تستأذن من اتفقتم على تقديمه في إطاركم الدعوي، حزبًا كان أو تجمعًا دعويًّا، وإن كنت تعمل منفردًا وقد ضيق عليك في مكان، فأصبحت فيه طاقة معطلة، أو استضعفت فيه، فلم تعُد قادرًا على إقامة دينك، ولا آمنًا من الفتنة فيه، فيمكنك الهجرة المؤقتة إلى مكان آخر، إلى أن يأذن الله بالفرج، فقد قال تعالى: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: 56]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
ويمكنك السفر إلى أي بلد تتمكن فيه من إقامة دينك، وتأمن فيه من الفتنة في الدين، فقد يكون هذا البلد بلدًا عربيًّا، أو إسلاميًّا كتركيا أو ماليزيا، أو حتى أوربيًّا إن تهيأت لك ظروف إقامة مناسبة.
هذا. وإن كنا ننصحك بالتصبر والثبات، فقد يكون الفرج أقربَ مما تتصور. عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب.
و«عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ فَرَجِهِ! يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَذَلِّينَ قَنِطِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في «الأدب» ص149 حديث (46) من قول الحسن رحمه الله.
(2) لم أقف عليه بتمام لفظه في كتب السنة، وقد ذكره ابن كثير بتمامه في «تفسيره» (2/ 128) من حديث أبي رزين رضي الله عنه. وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» عقب حديث (2810) وقال: «قاله ابن كثير … ولم أره بهذا اللفظ، فالظاهر أنه رواه بالمعنى. والله أعلم».
وقد أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 11) حديث (16232)، وابن ماجه في مقدمة «سننه» باب «فيما أنكرت الجهمية» حديث (181) من حديث أبي رزين أيضًا رضي الله عنه. بلفظ: «ضَحِكَ رَبُّنَا من قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ» قال: قلت: يا رسول الله أويضحك الرب؟ قال: «نَعَمْ». قلت: لَنْ نَعْدِمَ من رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2810).