الدعوة إلى النزول إلى الشارع لنصرة الرئيس مرسي

أعلن كثير من الأحزاب الإسلامية الدعوة إلى النزول إلى الشارع لنصرة الرئيس مرسي، فما حكم هذه الدعوة؟ وهل تُعتبر من قبيل الفتنة والدفع بالبلاد إلى مزيد من الفوضى وإراقة الدماء؟ أم أنها واجبة لنصرة الرئيس الشرعي المنتخب من الأمة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
• فإن الأصل أن مهمة استتباب الأمن تناط بمؤسسات الدولة بالأصالة، وذلك دور الجيش والشرطة في المقام الأول، ثم يأتي دور آحاد الناس بعد ذلك في المقام الثاني، في صورة الداعم لهذه الجهود والمنسق معها، وليس أن يحلُّ محلها ولا أن يكون بديلًا منها؛ حتى تلتقي الجهود الحكومية والشعبية في المحافظة على مؤسسات الدولة، ومن بينها وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، وإلا تشرذم المجتمع، وتحول إلى شيع وأحزاب يبغي بعضها على بعض؛ فقد يرتكب في فوضى ساعة من المظالم ما لا يرتكب في جَوْر سنين.
• ولكن الذي نقطع به أنه إذا عجزت الجهات الرسمية عن السيطرة على الموقف، أو توهمت حرجًا في ذلك، فلا يجوز إسلام ولي الأمر المسلم للبغاة دونما جناية شرعية تستوجب ذلك من ناحيته! ومرد الأمر في ذلك زمانًا ومكانًا وكمًّا وكيفًا إلى أهل الحَل والعقد في جماعة المسلمين.
ولقد ذكرنا في فتوى سابقة حول النزول إلى قصر الاتحادية لنصرة الرئيس المنتخب أنه ينبغي التفريقُ في مثل ذلك بين أمرين: التأصيل النظري للأمر، والتطبيق الميداني له.
• أما التأصيل النظري قد اتفق أهل العلم بالشريعة على أن وليَّ الأمر الشرعي الذي انعقدت له بيعة صحيحة يجب له بموجب هذه البيعة على الأمة حقين: الطاعة والنصرة، طاعته في غير معصية، ونصرته على من بغى عليه، وفي مثل ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9]، ولسنا بصددِ الحديث عن قتالٍ بمفهومه المسلح؛ فقد تواثق الجميع على الجهاد السياسي، فنحن نتحدث هنا عن جهاد الكلمة، ودفع الصائل بأقل ما يندفع به، بدون أن تُراق قطرة دم واحدة بإذن الله.
• ولكن التطبيق الميداني لذلك يحتاج إلى حساب المصالح والمفاسد، ويرجع فيه إلى أهل العلم وإلى أهل الخبرة مجتمعين، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]، فإن هذه المسائل لابد فيها من النظر إلى المآلات، وحساب ما يستجلب من المصالح وما يتوقع من المفاسد والموازنة الدقيقة بينهما، فليس كل ما صلح نظريًّا يصلح ميدانيًّا في جميع الأحوال، وأهل العلم وأهل الخبرة الملاصقون للحدث والمتابعون لمستجداته عن قُرب أقدر على تقدير ذلك من غيرهم، فلابد في مثل ذلك من الاعتصام بالشورى، واستلهام الله الرشد في القول والعمل، وما اشتور قوم في أمر قط إلا هدوا إلى أرشد أمرهم. وقد تكفل الله تعالى بهداية المشتورين المجاهدين في سبيله إلى أرشد أمرهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
• ودعوتي في نهاية المطاف أن تستنفر مؤسسات الدولة أولًا للقيام بدورها في ضبط الأمور، وأن ندقق في الشائعات التي تتكاثر في مثل هذه الأجواء، ويكون لها دورها النكد في تهييج المشاعر وتسعير الحرائق، وأن يجتمع العقلاء من الفريقين المتخاصمين للتشاور في مخرج من هذه الأزمة، وأن يكون هذا الاجتماع بنية الإصلاح؛ فقد قال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } [النساء: 35]. وأن يستعلي كل فريق على نوازعه الحزبية وأهوائه الشخصية، وهو في مقام السعي لدرء الفتنة وإصلاح ذات البين.
• فإن أخفقت هذه المساعي فإننا نؤكد على ما أوردناه في صدر هذا الجواب من أنه إذا عجزت الجهات الرسمية عن السيطرة على الموقف، أو استشعرت حرجًا في ذلك، فلا يجوز إسلامُ ولي الأمر المسلم للبغاة دونما جناية شرعية تستوجب ذلك من ناحيته! ومردُّ الأمر في ذلك زمانًا ومكانًا وكمًّا وكيفًا إلى أهل الحل والعقد في جماعة المسلمين.
نسأل الله أن يُلهمنا وإياكم الرشد، وأن يُجنبنا وإياكم الزيغَ والزلل في القول والعمل، وأن يجنب بلادنا وأمتَنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend