فضيلة الشيخ، حفظك الله ورعاك.
أنا من المهتمين غاية الاهتمام بالجمعية التأسيسية وما يدور فيها من خلافات بين الإسلاميين والليبراليين، ولا أتعجب من ذلك وأنا أقرأ الآن كتابكم الماتع المحاورة، ولكني أتعجب غايةَ العجب ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي ولا يطالبون بالشريعة، بل ويصرون على الإبقاء على كلمة «مبادئ»، وبكل صدق أحاول أن ألتمس لهم العذر في ذلك، مع أنني لا أعلم لهم مبررات على هذا التصرف، ولا أظنها تكون صحيحة.
وسؤالي يا شيخي: هل هذه المسألة من الخلاف السائغ، أقصد توقيت المطالبة بتحكيم الشريعة؟ وهل يجوز تأخير هذه القضية تحكيم الشريعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يخفى أن كلمة «مبادئ» تُعد التفافًا على قضية تحكيم الشريعة والإقرار بمرجعيتها في علاقة الدين بالدولة؛ لأنهم بهذا يتحدثون عن مبادئ عامة تلتقي على أصولها جل النظم والحضارات، فلا يبقى لخصوصية تحكيم الشريعة أثر.
ومن جهة أخرى فإن قضية تحكيم الشريعة هي قضية إرادة سياسية في المقام الأول، فإذا وجدت هذه الإرادة السياسية ذللت كل العقبات، وانفتحت كل الأبواب، وإذا غابت هذه الإرادة فحَدِّث عن التعويق والمعوقين ولا حرج.
وقد غابت هذه الإرادة طوال سنوات القهر والديكتاتورية الماضية، وقد بدأت الآن تخرج من عقالها، وتتلمس طريقها نحو النور، وربما احتاج ترسيخ هذا المعنى إلى مراحل زمنية يستفيض فيها البلاغ بمفهوم تحكيم الشريعة، ومنزلته من الدين، وتزال هذه القناطير المقنطرة من الشبهات التي خيَّمت على هذا المفهوم حتى اختزلته في إقامة بضعة من الحدود، تشويهًا له وإشاعة للهلع منه.
وقد يرى بعض أهل الدين عدم الدخول مرحليًّا في جدل حول كلمة «مبادئ» أو «أحكام» حتى يتم ترسيخ المبدأ وتتهيأ الأجواء لتحكيم الشريعة في مختلف مناحي الحياة، وقد يكتفون في هذه المرحلة بالتوافق مع غيرهم حول مُشترك من الخير العام، فإذا ثاب الناس إلى الإسلام وفاءوا إلى الشريعة عادت الأمور إلى نصابها، وتبوأت الشريعة مكانها في قيادة الأمة وتوجيه زمامها، وقد يكونون في بعض ذلك مصيبين أو مخطئين.
وأيًّا كان الأمر فإن موضع الاجتهاد هو التراتيب والآليات والمرحليَّات، وليس المبدأ في ذاته، فالمبدأ هو من الـمُحكَم الذي لا ينبغي أن يختلف فيه أو أن يختلف عليه، بل هو معقد التفرقة بين الإيمان والزندقة. والله تعالى أعلى وأعلم.