قرأت الآن مقالتكم حول الأخبار والشائعات ووجوب التثبُّت، وأشعر أن بعض الناس لديهم مشكلتان:
المشكلة الأولى: أنهم لا يفهمون جيدًا معنى التبيُّن أو التثبُّت؛ فمثلًا قد يقع حدثٌ بالفعل ولكنه لا يدلُّ على ما فهموه من المعاني السيئة حول الشخص أو الجماعة، بل يمكن حمله على محملٍ جميل أو على الأقل سائغ. وأنا على يقين أن فضيلتك عندك من القصص والمواقف الكثيرُ؛ مما يدلُّ على هذه المشكلة عند كثير من الناس لاسيما فيما يتعلق بموقفهم تجاه الشيوخ وأهل الفضل.
المشكلة الثانية: أنهم قد يعتقدون صدقَ خبر لو صح لكان حقًّا دالًّا على سوء شخص أو جماعة، ولكنه أصلًا لم يصح.
ومكمن المشكلة أن مصدرَ هذا الخبر المكذوب هو مصدرُ مُصدَّقٌ عند هؤلاء الناس، ربما أكثر من مصداقيتك أنت عندهم، فالصادق هو هذه القناة أو هذا المذيع أو هذه الجريدة لا أنت، فكيف تُقنعهم؟
وهل من الممكن التأصيل لحلِّ المشكلتين السابقتين بما يُستفاد من بعض العلوم الشرعية الأكاديمية؛ من أنه يَلزم لإثباتِ التُّهمة بشخص أن يتحقق شرطان:
الشرط الأول: أن يكون الشيءُ الذي يدل على التُّهمة قطعيَّ الثبوت على الشخص.
والشرط الثاني: أن يكون هذا الشيء قطعيَّ الدِّلالة على التُّهمة، لا تختلف فيه فتاوى المفتين إن كانت التهمة دينية، أو آراء الـمُحلِّلين من أهل الخبرة إن كانت التُّهمة سياسيةً أو إداريةً ونحو ذلك، أو لا تختلف فيه عقولُ العقلاء إن كانت التهمة تتعلق بشيءٍ بدهي.
ثم يضاف شرطًا ثالثًا: إذا كانت التهمة تتعلق بجماعة أو مؤسسة، وهو أن يثبت بيقين أن هذين الشرطين السابقين قد تحقَّقا بحقِّ عددٍ كبيرٍ من أفراد هذه الجماعة أو المؤسسة، أو تحقَّقَا بحقِّ عددٍ من رؤساء هذه الجماعة أو المؤسسة؛ بحيث يصحُّ القول بأن هذه التهمة ثابتةٌ في حق هذه الجماعة أو المؤسسة وليست فقط تُهَم فردية لا تُوصم بها الجماعة أو المؤسسة، فالنادر لا حكم له، وبالعدل قامت السماوات والأرض.
ثم ما رأيكم في تتبُّع السير الذاتية السيئة والتاريخ السابق المشبوه والمواقف المنكرة لأصحاب الفتن من المذيعين والهيئات الإعلامية المشبوهة؛ لإقناع الناس بفساد هؤلاء حتى لا يُصدِّقوهم في شائعاتهم؟
وهل هذا التتبُّع والفضحُ له أولوية الآن أم ماذا؟ أفيدونا رفع الله قدركم في الدارين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما كتبته جميل، ولكن المشاعر الهُوجُ في أوقات الفتن لا صبرَ لها على مثل هذا التحقيق القضائي الجميل؛ وإن كان لا بأس بذكِره بطبيعة الحال، فربما انتفع به بعضُهم ولو كانوا قليلًا، وربما انتفع به كذلك من يُلقي السلم لهداية الوحي من إخوتنا من أهل الدين، حتى لا يدور بعضهم في نفس الفلك وهو لا يشعر.
ولا بأس بالتعريف بحال هؤلاء الفجرة الكذبة، ليحذرهم الناس، ولتستبين سبيلُ المجرمين، وهذا مع حُسن التأتي، وإدارته بحِنكة، أرجو أن يكون مفيدًا جدًّا في مقاومة تزييف الوعي التي تُمارسها آلة الإعلام الجبارة، الممعنة في عداوتها لله ورسوله، والمغرقة في استباحة الحرمات على نحو غير مسبوق. وفَّقك اللهُ يا حبيبنا ونفع بك. والله تعالى أعلى وأعلم.