التحالفات المؤقتة مع بعض التجمعات العلمانية

ما مدى شرعية التحالفات المؤقتة مع بعض التجمعات العلمانية أو غير المسلمة بصفة عامة، باعتبار ذلك من ضرورات العمل السياسي في واقعنا المعاصر؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
اختلف العاملون للإسلام في هذه القضية:
فمنهم من يرى شرعية التحالف المؤقت مع بعض التجمعات العلمانية تحقيقًا لمصلحة مشتركة، أو دفعًا لخطر مشترك يهدد الفريقين، على ألا يكون ذلك على حساب التفريط في شيء من الدين، أو الالتزام بما يضر بالمسلمين، ويستدلون على ذلك بما يلي:
– عمومات النصوص التي تأمر بالتعاون على البر والتقوى، وتنهى عن التعاون على الإثم والعدوان.
– ما كان من حلف الفضول في زمان الجاهلية، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم  له بعد البعثة.
– الصحيفة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم  بينه وبين اليهود في المدينة.
– الاستصلاح وقواعد السياسة الشرعية، التي تقتضي فعل ما يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يأت فيه بعينه دليل خاص، ما دام ملائمًا لجنس تصرفات الشارع، ولم يأت في النهي عنه بعينه دليل خاص.
وينازعهم آخرون في ذلك، فيرفضون كل صور التحالف مع التجمعات غير الإسلامية، وذلك لما يلي:
– ما يتضمنه ذلك من موالاة الكافرين، وهي محرمة بصريح القرآن والسنة.
– ما يتضمنه من التشويش على الدعوة خاصة في مرحلة البناء، وما تفتقده به من الصفاء والنقاء.
– النصوص التي تنهى عن الاستعانة بالكفار، أو تنهى عن التحالف في الإسلام.
– أن ذلك يتعذر إتمامه إلا على حساب التفريط في شيء من الدين، أو التزام بما يضر المسلمين.
والذي يظهر لي من التأمل في مقولة الفريقين ما يلي:
الأصل أن المسلمين أمة واحدة: سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، وليس لفريق منهم أن ينحاز دون بقيتهم بحرب، أو سلم، أو موادعة، إلا عن رضا وتشاور مع بقية المسلمين.
وعلى هذا، فإذا كان التحالف من فريق من المؤمنين، يتخذون به الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أو يظاهرونهم به على أحد من المسلمين، أو يدورون به في فلكهم سلمًا وحربًا، وولاء وبراء، فهذا الذي تقطع النصوص بحرمته، وتشن الغارة على أهله، وقد استفاض في ذلك الكتاب والسنة، وكل النصوص الواردة في باب الولاء والبراء أدلة على ذلك، وإليه تنصرف أدلة المانعين من هذه القضية.
أما إن قامت به جماعة المسلمين في خصومة سياسية أو غير سياسية بين فريقين من غير المسلمين، قدرت أن مصلحتها في تأييد طرف على آخر، لأنه أقل عداوة للإسلام وأهله، أو أرجى قبولًا للإسلام ودعوته، ولم يكن عملًا موجهًا ضد فريق من المؤمنين، فهذا الذي يدخل في باب السياسة الشرعية، فإذا تضمن مصلحة واضحة، ولم تعارض بمفسدة راجحة ولم يكن على حساب التفريط في شيء من الدين، أو تتضمن الالتزام بما يضر بأحد من المسلمين، تَمهَّد القول بقبولها، وإن كان الأمر على خلاف ذلك تمهد القول بمنعها، ويفوض النظر في ذلك إلى أهل الحل والعقد في جماعة المسلمين، وإليه تنصرف أدلة المجيزين لهذه القضية. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend