اعتبار سلطة الانقلاب حاكمًا متغلبًا لا يجوز الخروج عليه

فضيلة الشيخ: هل سلطة الانقلاب المتمثلة في الجيش والحكومة الانتقالية أصبحت في حكم الحاكم المتغلب الذي لا يجب الخروج عليه بالسلاح؟ وهل إذا كانت هذه السلطة ترفض المظاهرات السلمية فهل النزول في هذه المظاهرات يعتبر منازعةً لهذه السلطة في الحكم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الخروج بالسلاح لا يُفتي به عاقلٌ، فضلًا عن كونه عالمًا أو مُسلمًا، لما هو معلومٌ من مفاسد الخروجِ المسلح الظاهرة المستيقنة، وما نبأُ إخواننا في بلاد الشام ببعيدٍ، والسعيد من وُعِظ بغيره، لا من وعظ بنفسه، فلا يجوز التوجُّه إلى الخروج المسلح ولو علَّق الحاكم صليبًا فوق الكعبة أو فوق الأزهر إلا حيث أمنت بوائق هذا الخروج، وكان توقع الظَّفر غالبًا، واجتمع على ذلك أهلُ الحل والعقد في جماعة المسلمين، ولا يعني هذا السكوتَ على الكفر إن بلغ الأمر مبلغ الكفر البواح، بل يبقى السعي في ذلك واجبًا على من قدر عليه، ومن لم يقدر فعليه الهجرة من تلك الأرض.
قال الحافظ بن حجر: «إنه ينعزل بالكفر إجماعًا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثوابُ، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض»(1).
أما المظاهرات السلمية فالأصل أن دستور البلاد قد أقرَّها، وأن السلطة الانقلابية الغاصبة أعلنت مرارًا حمايتها، ولما أرادت أن تتحلل من تبعة إعلانها أعلنت كذبًا أن هذه الاعتصامات ليست بسلمية. ومن قارن بين التظاهرات التي حمتها من قبل، مِنْ قِبَلِ البلطجية وقطاع الطرق، عندما كان الرئيس مرسي في سدة الحكم تذهله هذه المفارقة بين منع التظاهرات السلمية حقًّا بحجة عدم السلمية وحماية البغي وقطع الطرق بحجة المحافظة على الحق في التظاهر السلمي، وهل تنسى ذاكرة الأيام والليالي مجموعات البلاك بلوك المسلحة التي كانت تُجرى معها مقابلات تلفزيونية، وتُضفِي عليها المشروعيةـ على الرغم من إعلانها عن تسلُّحها، وترويعها القاصي والداني، وارتكابها أفدح الجرائم؟!
ولمن لا يعرف البلاك بلوك Black Bloc) فإنها تعني الكتلة السوداء، وهي تكتيك في المظاهرات والمسيرات (السلمية أو العنيفة) يرتدي فيه الأفراد الملابس السوداء، والأوشحة والنظارات، والأقنعة، وخوذات الدراجات النارية المبطنة، أو غيرها من الأشياء التي تحمى وتخفي الوجه. وتستخدم الملابس لإخفاء هويات المشاركين في المسيرة، وتسمح لهم أن يبدون وكأنهم كتلة موحدةً كبيرة، ويرتدي المحتجون الملابس السوداء، والأوشحة السوداء، والأقنعة السوداء، ويهدف ذلك إلى إخفاء هوية المتظاهرين وهوية المشاركين في المسيرة، مما يجعلهم يبدون ككتلة واحدة كبيرة؛ مما يحفز الناس على المشاركة.
وقد يتضمَّن التكتيك بعض التصرفات العدوانية مثل قتال الشوارع، وتخريب الممتلكات العامة، والتظاهر، والعصيان المدني من دون أي ترخيص، ولكن في معظم الأحيان تكون تصرفاتهم دفاعيةً كتضليل السلطات وتهريب المحتجزين من الشرطة وحمايتهم، وتقديم الإسعافات الأولية للمصابين بقنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص.
وصفوة القول يا ولدي أن المنع من التظاهر السلمي ليس لكونه ممنوعًا في ذاته، فهو في الشرع من مسائل السياسة الشرعية، ومن الناحية القانونية فإن دستور البلاد قد أعلن عن حمايته، والسلطة الانقلابية أعلنت ذلك كذلك، ولكن يمنع لما تمخض من مفاسده عندما يستخدمه أهلُ الدين، فقد ثبت أنه حق لغيرهم وليس حقًّا لهم! وقد أراق به الانقلابيون بحرًا من الدماء ظلمًا وعدوانًا، فيمنع الآن من هذا الباب، لا لكونه ممنوعًا في ذاته. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «فتح الباري» (13/123).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend