هل رأيُ الأغلبية ملزمٌ شرعًا للأقليَّة؟ والتي ترفض وتطلب التحكيم في كل رأي يخالف هواها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنَّ المسلمين عند شروطهم، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أوحرَّم حلالًا(1). ويدل على ذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]، والأمر بإيفاء العقد يتضمَّن الأمرَ بإيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرطُ فيه.
فإذا نُصَّ في عقد الشركة على النُّزول على رأي الأغلبية في إدارة الشركة، أوفي توجيه سياساتها فهذا شرط صحيح، وهو مُلزم لجميعِ الشركاء، ولا يُنقض ذلك إلا عند مخالفة لقطعي من الشريعة، أو قاعدة من قواعد النظام العام، وهذا هو الذي يجرِي عليه العملُ في الأعمِّ الأغلب، حيث لا يشترطُ في عقود تأسيس الشركات حصول القرارات بالإجماع؛ لأن هذا يكاد يستحيل تطبيقه عمليًّا، فلم يبق إلا النزول على قرار الأغلبية.
وإذا حصل نزاعٌ بين الشركاء بوصفهم شُركاء، وقد نصَّ في وثيقة التأسيس على التحكيم فينبغي أن يُصار إلى ذلك.
والعمل برأيِ الأغلبيَّة هو ما يَجرِي عليه العملُ كذاك، في جهات التحكيم، فلقد جاء في المعيار الشرعي رقم 32 لهيئة المعايير الشرعية بالبحرين ما يلي:
10- يصدر قرار التحكيم بالإجماع، أو بالأغلبية، وإذا تساوت الأصوات يرجح الطرف الذي فيه الرئيس، وإذا كان في مستند التحكيم أو لوائح الجهة المحكمة ما ينظم ذلك على وجه آخر فيلتزم به.
كما جاء فيها كذلك:
8- يجوزُ تحكيم واحد أو أكثر، والأولى أن يكون العددُ فرديًّا، فإن لم يكن كذلك فيُعيِّن أطراف النزاع أو المحتكمون أحدَ المحكمين رئيسًا لهيئة التحكيم، ويكون رأيهم رجحا عند تساوي الآراء.
وهذا النَّص والذي قبله معناه اعتبارُ قرار الأغلبية في هيئات التحكيم، وصحة صدور قراراتها بناءً على ذلك.
أما إذا كان النزاعُ بين الشركاء وأحد العاملين في الشركة، كما لو أرادت فصلَ أحد العاملين لديها لأسباب مشروعة تقتضيه بغيرِ تعسُّف ولا جور، فلها أن تمضي قرارها الإداري على مسئوليتها، وللمتضرر اللجوء إلى التحكيم الوُدي إن قبلت به جهة العمل، أو اللُّجوء إلى القضاء إن أبت عليه ذلك، اللهم إلا إذا نصَّ في وثيقَة تعيين العاملين لديها أن تحلَّ جميع خصوماتهم الإدارية مع الشركة من خلال التحكِيم الوُدي، فينبغي أن تفي بعقدها، وإن تلتزم له بذلك.
والأصل أنه لا يجوزُ تعيين أحد الشركاء عاملًا في الشركة بوصفه شريكًا، وإنما يجوزُ عند الاقتضاء تعيينه بوصفه عاملًا، وبعقد مستقلٍّ عند عقد الشركة؛ حتى لا يؤدي تعثُّر أحد العقدين إلى تعثر العقد الآخر، ودفعًا لتضارب المصالح، وقد جاء في المعيار رقم 12 لهيئة المعايير الشرعية بالبحرين ما يلي:
3/1/3/4 لا يجوز تخصيصُ أجرٍ محدد فيعقد الشركة لمن يُستعان به من الشركاء في الإدارة، أو في مهمات أخرى مثل المحاسبة، ولكن يجوز زيادة نصيبه من الأرباح على حصَّته في الشركة.
3/1/3/5 يجوز تكليفُ أحد الشركاء بالمهمات المذكورة في البند (3/1/3/4) بعقدٍ منفصلٍ عن عقد الشركة؛ بحيث يُمكن عزلُه دون أن يترتب على ذلك تعديل عقد الشركة أو فسخه، وحينئذ يجوزُ تخصيصُ أجرٍ محدد له.
ووجه تضارب المصالح أنه باعتباره عاملًا تسير مصلحته في اتجاه معين من حيث حقوقه ومخصصاته المالية، والشركة باعتبارها جهة التعاقد تسير مصلحُتها في اتجاه آخر، فعندما يجمع بين صفة الشريك وصفة العامل تتضارب المصالح، ولا يدفع هذا التضارب إلا الفصل بين العقدين، فعندما يُعين الشريك عاملًا من العاملين مديرًا كان أو عاملًا فليس له أن يصول بسيف الشركة، وإنما هو عامل من العاملين، يسري عليه ما يسري على سائر العاملين، وفصله من عمله لا يعني فصله من الشركة، ولا إلغاء عضويته فيها؛ ولهذا نصَّ الفقهاءُ كما سبق على أنه لا يجوز تخصيصُ أجر محدد فيعقد الشركة لمن يُستعان به من الشركاء في الإدارة أو في مهمات أخرى مثل المحاسبة، ولكن يجوز زيادة نصيبه من الأرباح على حصته في الشركة، وذلك لكي تتوحَّد الصالح فتكون مصلحةُ الشركة ومصلحة العامل في أن تنجح الشركة وأن تُحقق ما تصبو إليه من أرباح، فينتفع الطرفان.
ويبدو لي أن وجهَ الخلل في هذه النازلة- وقد استفتيت في بعض تفاصيلها من قبل- هو الخلط ما بين الأمرين، فإذا فُض الاشتباك بينهما تحلُّ العُقدُ كُلُّها، ويعرف الشريك العامل أنه يتحرَّك في هذه الخصومة باعتباره عاملًا وليس باعتباره شريكًا، فليس له أن يحتجَّ بما نصَّ عليه في عقد تأسيس الشركة حول التحكيم الوُدي لحلِّ المنازعات بين الشركاء؛ لأنه في هذه الحالة ليس من الشركاء. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما ذكر عن رسول الله ? في الصلح» حديث (1352) من حديث عمرو بن عوف بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْـمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْـمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (1352).